الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 11 ] قال ( ويقبل فيها قول العبد والحر والأمة إذا كانوا عدولا ) ; لأن عند العدالة الصدق راجح والقبول لرجحانه . فمن المعاملات ما ذكرناه ، ومنها التوكيل . ومن الديانات الإخبار بنجاسة الماء حتى إذا أخبره مسلم مرضي لم يتوضأ به ويتيمم ، ولو كان المخبر فاسقا أو مستورا تحرى ، فإن كان أكبر رأيه أنه صادق يتيمم ولا يتوضأ به ، وإن أراق الماء ثم تيمم كان أحوط ، ومع العدالة يسقط احتمال الكذب فلا معنى للاحتياط بالإراقة ، أما التحري فمجرد ظن .

ولو كان أكبر رأيه أنه كاذب يتوضأ به ولا يتيمم لترجح جانب الكذب بالتحري ، وهذا جواب الحكم . فأما في الاحتياط فيتيمم بعد الوضوء لما قلنا . ومنها الحل والحرمة إذا لم يكن فيه زوال الملك ، وفيها تفاصيل وتفريعات ذكرناها في كفاية المنتهى .

التالي السابق


( قوله ويقبل فيها قول العبد والحر والأمة إذا كانوا عدولا ) أقول : لا يخفى على ذي فطرة سليمة أن ذكر الحر هاهنا خال عن الفائدة ، إذ لا يشتبه على أحد قبول قول الحر في كل أمر خطير إذا كان عدلا ، بخلاف العبد والأمة ، ولعل صاحب الكافي ذاق بشاعة ذكر الحر هاهنا فقال : ويقبل فيها قول العبد والأمة إذا كانا عدلين بدون ذكر الحر . قال صاحب العناية في شرح هذا المقام : وقوله ويقبل فيها : أي في الديانات قول الحر والعبد والأمة لأن خبر هؤلاء في أمور الدين كخبر الحر إذا كانوا عدولا كما في رواية الأخبار انتهى .

أقول : قد زاد هذا الشارح في الطنبور نغمة حيث أتى بمحذور آخر في كلام نفسه فإنه قال : لأن خبر هؤلاء في أمور الدين كخبر الحر ولا شك أن كلمة هؤلاء من جموع أسماء الإشارة فتكون هاهنا إشارة إلى الأشياء الثلاثة المذكورة وهي العبد والحر والأمة ، فيصير معنى كلام الشارح المذكور : لأن خبر العبد والحر والأمة في أمور الدين كخبر الحر إذا كانوا عدولا فيدخل المشبه به في المشبه ولا يخفى فساده . وقال صاحب النهاية : ويقبل فيها : أي في الديانات قول العبد والحر والأمة ; لأن في أمور الدين خبر العبد كخبر الحر كما في رواية الإخبار ، وتبعه صاحب معراج الدراية كما هو دأبه في أكثر المواضع . أقول في كلامهما أيضا نوع محذور ، لأنهما جعلا الحر مقيسا عليه أو مشبها به ، وهو داخل أيضا في المدعى هاهنا فكان يلزم إثباته أيضا هنا ، فكيف يتم أن يجعل مقيسا عليه أو مشبها به لأحد قرينيه قبل أن يتبين حال نفسه ، فالتعليل التام الشامل للكل ما ذكره المصنف بقوله ; لأن عند العدالة الصدق راجح والقبول لرجحانه ( قوله وإن أراق الماء ثم تيمم كان أحوط ) أقول : هذا مشكل عندي ; لأنه إذا كان أكبر رأيه أنه صادق كان نجاسة الماء راجحة عنده ، فإذا أراق هذا الماء على أعضاء الوضوء كان الراجح أن تتنجس تلك الأعضاء ، وإذا تنجست أعضاؤه لم تجز صلاته ما لم تطهر .

والمفروض انتفاء ماء آخر مطهر ، وإلا لم يجز التيمم فكان ينبغي أن يكون الاحتياط إذ ذاك في ترك الإراقة لتأديها إلى محذور شديد ، بخلاف الاحتياط بالتيمم بعد الوضوء فيما إذا كان أكبر رأيه أنه كاذب كما سيأتي من بعد ، فإن التيمم هناك بشيء طاهر فلا يلزم محذور أصلا فليتأمل ( قوله ومع العدالة يسقط احتمال الكذب فلا معنى للاحتياط بالإراقة ) أقول : لقائل أن يقول : لا نسلم [ ص: 12 ] سقوط احتمال الكذب مع مجرد العدالة بدون أن يصل حد التواتر . كيف وقد صرحوا في علم الأصول بأن خبر الواحد العدل وإن كان صحابيا لا يوجب اليقين ، بل احتمال الكذب قائم ، وإن كان مرجوحا ، وإلا لزم القطع بالنقيضين عند إخبار العدلين بهما ولهذا قالوا إنه لا يفيد إلا غلبة الظن دون اليقين ، ويوافق قول المصنف فيما مر ; لأن عند العدالة الصدق راجح والقبول لرجحانه والجواب أن مراد المصنف باحتمال الكذب في قوله ومع العدالة يسقط احتمال الكذب هو الاحتمال الظاهر الذي يعتد به شرعا دون مطلق الاحتمال ، وعن هذا قال صاحب الكافي : ومع العدالة سقط احتمال الكذب شرعا ; لأنها عبارة عن الانزجار عن المعاصي والكذب منها فكان منزجرا عنه انتهى . فإن قلت : إذا بقي احتمال ما للكذب في العدالة فما معنى للاحتياط بالإراقة . قلت : مراده أنه لا معنى للاحتياط بالإراقة في صورة العدالة احتياطا بها مثل الاحتياط بها في صورة التحري في خبر الفاسق أو المستور . فإن قلت : إذا كان مفاد خبر العدول هو الظن دون اليقين فما معنى قول المصنف في مقابلة ذلك ، وأما التحري فمجرد ظن ؟ قلت : معناه أنه مجرد تخمين وظن لا غلبة ظن ، بخلاف عدالة المخبر فإن الحاصل هناك غلبة الظن ، وهي أقوى من الأول فافترقا




الخدمات العلمية