الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 386 ] قال ( ومن كان في يده دار فوجد فيها قتيل لم تعقله العاقلة حتى تشهد الشهود أنها للذي في يده ) لأنه لا بد من الملك لصاحب اليد حتى تعقل العواقل عنه ، واليد وإن كانت دليلا على الملك لكنها محتملة فلا تكفي لإيجاب الدية على العاقلة كما لا تكفي لاستحقاق الشفعة به في الدار المشفوعة فلا بد من إقامة البينة .

التالي السابق


( قوله ومن كان في يده دار فوجد فيها قتيل لم تعقله العاقلة حتى يشهد الشهود أنها للذي في يده ) قال صاحب العناية : ولا يختلجن في وهمك صورة تناقض في عدم الاكتفاء باليد مع ما تقدم أن الاعتبار عند أبي حنيفة لليد ، لأن اليد المعتبرة عنده وهي التي تكون بالأصالة والعاقلة تنكر ذلك انتهى .

أقول : لقائل أن يقول : هب أن اليد المعتبرة عنده هي التي تكون بالأصالة لكن كيف يتم على أصله التعليل الذي ذكره المصنف بقوله لأنه لا بد من الملك لصاحب اليد حتى تعقل العواقل عنه ، وهلا يناقض هذا ما مر من أن الاعتبار عند أبي حنيفة لليد دون الملك كما في المسألة المتقدمة آنفا ، فإن الملك هناك للمشتري مع أن الدية عنده لعاقلة البائع لكونه صاحب اليد قبل القبض كما مر تفصيله . وقال صاحب الغاية هنا : ولا يلزم أبا حنيفة أنه يعتبر اليد في استحقاق الدية حتى قال في الدار المبيعة في يد البائع يوجد فيها قتيل أن الدية تجب على عاقلة البائع لأنه يعتبر يد الملك لا مجرد اليد فلم يثبت هنا يد الملك إلا بالبينة انتهى . وذكر في معراج الدارية ما يوافقه حيث قال : وفي جامع الكرابيسي اعتبر أبو حنيفة يد الملك لا مجرد اليد في المسألة المتقدمة ، وهنا لا يثبت ذلك إلا بالبينة فلا يرد نقضا عليه انتهى .

أقول : هذا التوجيه مشكل ، لأن الملك في المسألة المتقدمة كان للمشتري لا محالة ، وعن هذا نشأ النزاع بين أبي حنيفة وصاحبيه في تلك المسألة ، إذ لو كان الملك أيضا للبائع لما صار محل الخلاف وإقامة الحجة من الجانبين على ما مر بيانه ، فإذا كان الملك هناك للمشتري فكيف يتحقق للبائع إذ ذاك يد الملك ، إذ ثبوت يد الملك له يقتضي ثبوت نفس الملك أيضا فيلزم أن يجتمع على الدار المبيعة في حالة واحدة ملكان وهما ملك البائع وملك المشتري وهو محال ، وإن أريد بيد الملك غير معناه الظاهر : أي اليد التي كان لصاحبها ملك في الأصل ، وإن زال ذلك الملك في الحال بالبيع فما معنى اعتبار مثل ذلك الأمر الزائل في ترتب الحكم الشرعي عليه في الحال ، [ ص: 387 ] وهل يليق أن يعد ذلك أصلا لإمامنا الأعظم فعليك بالتأمل الصادق




الخدمات العلمية