الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ولا تصح وصية الصبي ) وقال الشافعي : تصح إذا كان في وجوه الخير لأن عمر رضي الله عنه أجاز وصية يفاع أو يافاع وهو الذي راهق الحلم ، ولأنه نظر له بصرفه إلى نفسه في نيل الزلفى ، ولو لم تنفذ يبقى على غيره .

ولنا أنه تبرع والصبي ليس من أهله ، ولأن قوله غير ملزوم وفي تصحيح وصيته قول بإلزام قوله والأثر محمول على أنه كان قريب العهد بالحلم مجازا أو كانت وصيته في تجهيزه وأمر دفنه ، وذلك جائز عندنا ، [ ص: 431 ] وهو يحرز الثواب بالترك على ورثته كما بيناه ، والمعتبر في النفع والضرر النظر إلى أوضاع التصرفات لا إلى ما يتفق بحكم الحال اعتبره بالطلاق فإنه لا يملكه ولا وصيه وإن كان يتفق نافعا في بعض الأحوال ، وكذا إذا أوصى ثم مات بعد الإدراك لعدم الأهلية وقت المباشرة ، وكذا إذا قال إذا أدركت فثلث مالي لفلان وصية لقصور أهليته فلا يملكه تنجيزا وتعليقا كما في الطلاق والعتاق ، [ ص: 432 ] بخلاف العبد والمكاتب لأن أهليتهما مستتمة والمانع حق المولى فتصح إضافته إلى حال سقوطه .

التالي السابق


( قوله والأثر محمول على أنه كان قريب العهد بالحلم مجازا ) يعني كان بالغا لم يمض على بلوغه زمان كثير ، ومثله يسمى يافعا مجازا تسمية للشيء باسم ما كان عليه كذا في العناية وغيرها ( أو كانت وصيته في تجهيزه وأمر دفنه وذلك جائز عندنا ) قال صاحب الغاية : وفيه نظر عندي ، لأنه صرح الراوي بأنه أوصى لابنة عم له بمال فكيف يسمى ذلك وصية بتجهيز نفسه ، وكيف يحتمل أن يقال إنه كان أدرك لكن سمي غلاما مجازا لأنه صح في رواية الحديث أنه كان غلاما لم يحتلم انتهى . ورد صاحب العناية حاصل نظره . والجواب عنه حيث قال : ورد بأنه صح في رواية الحديث أنه كان غلاما لم يحتلم وأنه أوصى لابنة عم له بمال فكيف يصح التأويل بكونه يافعا مجازا أو يكون الوصية في التجهيز وأمر الدفن ؟ وأجيب بأن قوله كان غلاما لم يحتلم معنى اليافع حقيقة فيجوز أن يكون الراوي نقله بمعناه ، وقوله إنه أوصى لابنة عم له بمال لا ينافي أن يكون مما يتعلق بتجهيزه وأمر دفنه . أقول : ليس ذاك الجواب [ ص: 431 ] بسديد . أما أولا فلأنه إذا كان لفظ اليافع في الأثر المزبور مجازا عمن كان بالغا لم يمض على بلوغه زمان كثير كان معنى اليافع حقيقة غير مراد في ذلك الأثر بل غير واقع في أصل القصة ، فلو كان الراوي نقله بمعناه الحقيقي لزم أن يكذب في نقله ولا يخفى ما فيه .

وأما ثانيا : فلأن قوله وقوله " إنه أوصى لابنة عم له بمال لا ينافي أن يكون مما يتعلق بتجهيزه وأمر دفنه " ممنوع جدا ، فإن معنى أوصى له بمال ملكه إياه وما يتعلق بتجهيزه وأمر دفنه لا يكاد أن يكون ملكا لغيره كما لا يخفى . نعم لو كان المروي في الأثر أنه أوصى إلى ابنة عم له بكلمة " إلى " بدل كلمة " اللام " لم يلزم التنافي ، لأن معنى أوصى إليه جعله وصيا فيجوز أن تكون ابنة عمه وصيته في تجهيزه وأمر دفنه ، ولما كان المروي في ذلك أنه أوصى لابنة عم له بمال لم يبق للتأويل المذكور مجال .

( قوله وهو يحرز الثواب بالترك على ورثته كما بيناه ) قال في العناية : قوله يحرز الثواب جواب عن قوله ولأنه نظر له بصرفه إلى نفسه في نيل الزلفى ، وقوله كما بيناه إشارة إلى قوله فالترك أولى لما فيه من الصدقة عن القريب إلخ ، فإنه يفيد إما أفضلية الترك في الثواب أو تساويهما فيه انتهى . أقول : فيه إشكال ، لأنه إن أراد أن قوله لما بيناه إشارة إلى قوله فالترك أولى لما فيه من الصدقة إلى آخره : أي إلى آخر تعليل تلك المسألة وهو ما ينتهي عند قوله وإن كانوا أغنياء يلزم أن لا يتم كلام المصنف هنا فإنه إنما يتمشى في صورة إن كانت الورثة فقراء فلا يحصل الجواب عن قول الشافعي رحمه الله تعالى ، ولأنه نظر له بصرفه إلى نفسه في نيل الزلفى في صورة إن كانوا أغنياء ، ويلزم أن لا يصح قول الشارح فإنه يفيد إما أفضلية الترك في الثواب أو تساويهما فيه إذ الأفضلية متعينة حينئذ فلا معنى للترديد ، وإن أراد بقوله إلخ ، قوله والموصى به يملك بالقبول لتناوله صورة إن كانوا أغنياء أيضا يلزم أن لا يجري كلام المصنف هنا ، وكلام الشارح أيضا في صورة إن كانوا أغنياء إلا على القول الضعيف المذكور [ ص: 432 ] هناك بقيل وهو التخيير بين الوصية وتركها على القول المختار المذكور هناك أولا وهو كون الوصية أولى من تركها . وبالجملة لا يخلو المقام على كل حال عن نوع من الاختلال .

قال بعض المتأخرين هنا بعد نقل ما في العناية : وفيه أن التساوي مبني على قول ضعيف كما سبق ولا حاجة إليه في المقصود انتهى . أقول : إن قوله ولا حاجة إليه في المقصود ليس بصحيح ، إذ لا أفضلية للترك في صورة إن كانت الورثة أغنياء ، بل الأفضلية فيها للوصية على القول المختار أو الوصية وتركها سيان فيها على القول الضعيف كما تقرر فيما سبق ، والمقصود هنا هو الجواب عن قول الشافعي ولأنه نظر له بصرفه إلى نفسه في نيل الزلفى ، ولا ريب أن ذلك المقصود لا يحصل بقول المصنف هنا وهو يحرز الثواب بالترك على ورثته في صورة إن كانوا أغنياء بالتشبث إلا بالقول الضعيف في تلك المسألة وهو تساوي الوصية وتركها إذ على القول المختار فيها تكون الوصية أفضل فلا يتيسر إحراز الثواب بتركها فتحققت الحاجة إلى ذكر التساوي ليتم الجواب بالنظر إلى تلك الصورة أيضا . وعن هذا أورد بعض الفضلاء على ما في العناية ما أورده ذلك ولم يذكر المقدمة القائلة ، لا حاجة إليه في المقصود حيث قال : فيه بحث ، فإن التساوي فيه ضعيف ، ولذلك البعض أورده المصنف بصيغة التمريض انتهى .




الخدمات العلمية