الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولو أوصى له بثلث غنمه فهلك الغنم قبل موته أو لم يكن له غنم في الأصل فالوصية باطلة لما ذكرنا أنه إيجاب بعد الموت فيعتبر قيامه حينئذ ، وهذه الوصية تعلقت بالعين فتبطل بفواته عند الموت ، وإن لم يكن له غنم فاستفاد ثم مات فالصحيح أن الوصية تصح ، لأنها لو كانت بلفظ المال تصح ، فكذا إذا كانت باسم نوعه ، وهذا لأن وجوده قبل [ ص: 450 ] الموت فضل والمعتبر قيامه عند الموت ; ولو قال له شاة من مالي وليس له غنم يعطي قيمة شاة لأنه لما أضافه إلى المال علمنا أن مراده الوصية بمالية الشاة إذ ماليتها توجد في مطلق المال ، ولو أوصى بشاة ولم يضفه إلى ماله ولا غنم له قيل لا يصح لأن المصحح إضافته إلى المال وبدونها تعتبر صورة الشاة ومعناها ، وقيل تصح لأنه لما ذكر الشاة وليس في ملكه شاة علم أن مراده المالية ; ولو قال شاة من غنمي ولا غنم له فالوصية باطلة ، لأنه لما أضافه إلى الغنم علمنا أن مراده عين الشاة حيث جعلها جزءا من الغنم ، بخلاف ما إذا أضافه إلى المال وعلى هذا يخرج كثير من المسائل .

التالي السابق


( قوله ولو قال شاة من غنمي ولا غنم له فالوصية باطلة لأنه لما أضافه إلى الغنم أن مراده عين الشاة حيث جعله جزءا من الغنم ) اعلم أنه وقع في عبارة الوقاية ولا شاة له موضع ولا غنم له الواقع في عبارة الهداية في وضع هذه المسألة فقال صدر الشريعة في شرحه للوقاية : واعلم أنه قال في الهداية ولا غنم له وقال في المتن ولا شاة له ، وبينهما فرق لأن الشاة فرد من الغنم ، فإذا لم يكن له شاة لا يكون له غنم ، لكن إذا لم يكن له غنم لا يلزم أن لا يكون له شاة لاحتمال أن يكون له واحد لا كثير ، فعبارة الهداية تناولت صورتين : ما إذا لم يكن له شاة أصلا ، وما يكون له شاة لا غنم له ، ففي الصورتين تبطل الوصية ، وعبارة المتن لم تتناول إلا الصورة الأولى ولم يعلم منها الحكم في الصورة الثانية ، فعبارة الهداية أشمل لكن هذه أحوط ا هـ كلامه .

ورد عليه صاحب الإصلاح والإيضاح حيث قال في شرحه : إنما قال ولا شاة له ولم يقل ولا غنم له كما قال صاحب الهداية ، لأن الشاة فرد من الغنم ، فإذا لم يكن له شاة لا يكون له غنم بدون العكس ، والشرط عدم الجنس لا عدم الجمع حتى لو وجد الفرد تصح الوصية يفصح عن ذلك قول الحاكم الشهيد في الكافي : ولو قال شاة من غنمي أو قفيز من حنطتي فإن الحنطة اسم جنس لا اسم جمع ا هـ . وقال في حاشيته : أخطأ هنا صدر الشريعة حيث قال تبطل الوصية في الصورتين ا هـ . وقصد بعض المتأخرين أن يجيب عنه حيث قال بعد نقل كلام صدر الشريعة : واعترض عليه بعض الأفاضل بما حاصله أن عبارة الوقاية هي الصواب ، وأن الحكم في وجود الفرد صحة الوصية ، وزعم أن الشرط عدم الجنس لا عدم الجمع . قلت : بعد تسليم أن الغنم جمع أو اسم جمع لا اسم جنس أن نفي الغنم كما وقع في عبارة الهداية وعامة الكتب هو الصواب ، وأنه لا تصح الوصية بوجود شاة واحدة لأن الشرط عدم الجمع لا عدم الجنس كما زعمه المعترض لأنه أوصى بشاة من غنمه ، فإذا لم يكن له غنم [ ص: 451 ] بل فرد لم يتحقق شاة من غنمه فتبطل الوصية فهذا هو السر في تعميم الغنم دون الشاة إلى هنا كلامه .

أقول : الظاهر عندي مما ذكروه في تعليل هذه المسألة أن تصح الوصية بوجود شاة واحدة ، لأن الموصى به في هذه المسألة وهو الشاة يصير موجودا حينئذ فتصير الوصية بشيء موجود لا معدوم ، ولا مانع لصحة الوصية هنا سوى كون الموصى به معدوما ، فإذا وجدت شاة واحدة انتفى المانع . نعم لا يوجد حينئذ ما أضيفت الشاة إليه من الغنم على تقدير أن يكون الغنم اسم جمع لا اسم جنس لكون المقصود من الإضافة إلى الغنم تعيين أن مراده عين الشاة لا ماليتها ، ويحصل ذلك المقصود من مجرد الإضافة إليها ، ولا يقتضي وجودها ألبتة كوجود الشاة التي هي الموصى به ، ومما يرشد إلى كون جواب هذه المسألة فيما إذا لو توجد شاة أصلا أنه قال الحاكم الشهيد في الكافي : ولو قال شاة من غنمي أو قفيز من حنطتي وليس له غنم ولا حنطة فالوصية باطلة .

وقال شيخ الإسلام علاء الدين الإسبيجابي في شرحه : لأنه لما أضافه إلى الغنم علمنا أن مراده الوصية بعين الشاة لأنه جعله جزءا من الغنم . وأنه يصلح جزءا للغنم بصورته ومعناه فصارت الوصية بشيء معدوم ولا وجود له عند الموت أيضا فلا تصح ا هـ تأمل تفهم




الخدمات العلمية