الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ويجوز للقاضي إذا أراد أن يحكم عليها وللشاهد إذا أراد أداء الشهادة عليها النظر إلى وجهها وإن خاف أن يشتهي ) للحاجة إلى إحياء حقوق الناس بواسطة القضاء وأداء الشهادة ، ولكن ينبغي أن يقصد به أداء الشهادة أو الحكم عليها لا قضاء الشهوة تحرزا عما يمكنه التحرز عنه وهو قصد القبيح . وأما النظر لتحمل الشهادة إذا اشتهى قيل يباح . والأصح أنه لا يباح ; لأنه يوجد من لا يشتهي فلا ضرورة ، بخلاف حالة الأداء .

التالي السابق


( قوله ويجوز للقاضي إذا أراد أن يحكم عليها ، وللشاهد إذا أراد الشهادة عليها النظر إلى وجهها ، وإن خاف أن يشتهي للحاجة إلى إحياء حقوق الناس بواسطة القضاء وأداء الشهادة ) قال بعض المتأخرين : وقد ينور ذلك بإباحة النظر إلى العورة الغليظة عند [ ص: 27 ] الزنا لإقامة الشهادة عليه . ثم قال : خطر ببالي هاهنا إشكال . وهو أن شهود الزنا كما صرحوا في الكتب بين حسبتين : إقامة الحد ، والتحرز عن الهتك ، والستر أفضل ، لقوله صلى الله عليه وسلم للذي شهد به عنده : { لو سترته بثوبك لكان خيرا لك } وليس في الحدود حقوق الناس إلا في السرقة ، ولهذا يجب أن يشهد بالمال فيقول أخذ إحياء لحق المسروق منه ولا يقول سرق محافظة على الستر ، فلم يكن ما ذكر من التنوير في شيء أصلا لانعدام الحاجة وانتفاء الضرورة في الشهادة بالزنا .

ثم دفعته بما ذكره بعض شراح الهداية في كتاب الحدود من أن هذا : يعني كون الستر أفضل يجب أن يكون بالنسبة إلى من لم يعتد الزنا ولم يهتك به ، وأما إذا وصل الحال إلى إشاعته والتهتك به بل بعضهم ربما افتخر به فيجب كون الشهادة به أولى من تركها ; لأن مطلوب الشارع إخلاء الأرض من الفواحش وذلك يتحقق بالتوبة وبالزجر . فإذا ظهر الشره في الزنا مثلا وعدم المبالاة به بإشاعته . فإخلاء الأرض بالتوبة احتمال يقابله ظهور عدمها . فيجب تحقيق السبب الآخر للإخلاء وهو الحد بخلاف من زل مرة أو مرارا متسترا متخوفا متندما عليه فإنه محل استحباب ستر الشاهد انتهى . أقول : ما ذكره بعض شراح الهداية في كتاب الحدود لا يدفع الإشكال الذي خطر ببال ذلك القائل إلا في مادة جزئية ، وهي ما إذا وصل الحال إلى إشاعة الفاحشة والتهتك بها لا فيما سواها ، فإن الستر فيه أفضل بلا شبهة . مع أن النظر إلى العورة الغليظة عند الزنا لإقامة الشهادة عليه مباح هناك أيضا فكفى بذلك إشكالا . فلم يتم قوله ثم دفعته بما ذكره بعض شراح الهداية في كتاب الحدود .

ثم أقول في دفع ذلك الإشكال بالكلية : إن الحاجة إلى النظر إلى العورة الغليظة عند الزنا والضرورة متحققان في الشهادة بالزنا مطلقا في تحصيل إحدى الحسبتين وهي إقامة الحد بإقامة الشهادة على الزنا ، إذ لا يتيسر إقامة الشهادة عليه بدون النظر إلى العورة الغليظة عند الزنا ، وإن لم تتحقق الحاجة إليه ولا الضرورة في تحصيل الحسبة الأخرى وهي التحرز عن التهتك . فمن أراد أن ينال الحسبة الأولى يحتاج ويضطر إلى النظر إليها فيباح له النظر إليها إذ ذاك ، إذ يكفي في إباحة ذلك الحاجة إليه ، والضرورة بالنسبة إلى تحصيل خصوص الحسبة ، ولا يتوقف إباحته على الحاجة إليه والضرورة المطلقتين : أي من كل وجه ، ولا على أن لا يكون فوق تلك الحسبة حسبة أخرى أفضل منها ; ألا يرى أن من أراد أن يتزوج امرأة فلا بأس له بأن ينظر إليها ، وإن علم أنه يشتهيها بناء على أن مقصوده إقامة السنة لا قضاء الشهوة كما سيأتي في الكتاب ، مع أن الحاجة إلى النظر إليها والضرورة إنما يتحققان في إقامة تلك السنة لا مطلقا لإمكان ترك تزوجها الداعي إلى النظر إليها وإن كان فوق تلك السنة ما هو أفضل منها من الواجبات بل من بعض السنن المؤكدات فقد اندفع ذلك الإشكال بحذافيره .




الخدمات العلمية