الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ومن سار على دابة في الطريق فضربها رجل أو نخسها فنفحت رجلا أو ضربته بيدها أو نفرت فصدمته فقتلته كان ذلك على الناخس دون الراكب ) هو المروي عن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما ، ولأن الراكب والمركب مدفوعان بدفع الناخس فأضيف فعل الدابة إليه كأنه فعله بيده ، ولأن الناخس متعد في تسبيبه والراكب في فعله غير متعد فيترجح جانبه في التغريم للتعدي ، حتى لو كان واقفا دابته على الطريق يكون الضمان على الراكب [ ص: 335 ] والناخس نصفين لأنه متعد في الإيقاف أيضا . قال ( وإن نفحت الناخس كان دمه هدرا ) لأنه بمنزلة الجاني على نفسه ( وإن ألقت الراكب فقتلته كان ديته على عاقلة الناخس ) لأنه متعد في تسبيبه وفيه الدية على العاقلة . قال ( ولو وثبت بنخسه على رجل أو وطئته فقتلته كان ذلك على الناخس دون الراكب ) لما بيناه ، والواقف في ملكه والذي يسير في ذلك سواء . وعن أبي يوسف أنه يجب الضمان على الناخس والراكب نصفين ، لأن التلف حصل بثقل الراكب ووطء الدابة ، والثاني مضاف إلى الناخس فيجب الضمان عليهما ، وإن نخسها بإذن الراكب كان ذلك بمنزلة فعل الراكب لو نخسها ، ولا ضمان عليه في نفحتها لأنه أمره بما يملكه ، إذ النخس في معنى السوق فصح أمره به ، وانتقل إليه لمعنى الأمر .

التالي السابق


( قوله ولأن الراكب والمركب مدفوعان بدفع الناخس فأضيف فعل الدابة إليه كأنه فعله بيده ) أقول : يرد عليه ما ذكره [ ص: 335 ] فيما مر في مسألة السائق والقائد جوابا عن الشافعي بقوله وانتقال الفعل بتخويف القتل كما في المكره ، وهذا تخويف بالضرب . وجه الورود غير خاف على الفطن الناظر في المقامين .

( قوله ولأن الناخس متعد في تسبيبه والراكب في فعله غير متعد فيترجح جانبه في التغريم للتعدي ) قال صاحب العناية : فيه نظر ، لأن الراكب إن كان فعله معتبرا فهو مباشر ، والتعدي ليس من شرطه ، وإن لم يكن معتبرا لكونه مدفوعا فقد استغنى عن ذكره بذكر الدليل الأول . ويمكن أن يجاب عنه بأن الراكب مباشر فيما إذا تلف بالوطء لأنه يحصل التلف بالثقل كما تقدم ، وليس الكلام هنا في ذلك وإنما هو في النفح بالرجل والضرب باليد والصدمة فكانا متسببين وترجح الناخس في التغريم للتعدي . ا هـ كلامه .

أقول : في الجواب نظر ، لأن حاصله اختيار الشق الأول من الترديد ومنع كون الراكب مباشرا فيما نحن فيه ، فيصير حينئذ مدار هذا الدليل أن يكون فعل الراكب معتبرا فيلزم أن يكون مضمون هذا الدليل منافيا لمضمون الدليل المتقدم عليه ، لأن مداره أن لا يكون فعل الراكب معتبرا لكونه مدفوعا بدفع الناخس فيتدافعان ، اللهم إلا أن يحمل أحدهما على الفرض والآخر على التحقيق فتأمل .

( قوله وإن نخسها بإذن الراكب كان ذلك بمنزلة فعل الراكب لو نخسها ، ولا ضمان عليه في نفحتها لأنه أمره بما يملكه ، إذ النخس في معنى السوق فيصح أمره به وانتقل إليه لمعنى الأمر ) أقول : لقائل أن يقول : هب أن النخس في معنى السوق وأن الراكب كان يملكه فأمر الناخس به ، لكن الأمر به إنما يتناوله من حيث إنه سوق لا من حيث إنه إتلاف كما سيجيء التصريح به في المسألة الآتية ، فمن حيث إنه إتلاف ينبغي أن يقتصر على الناخس ولا ينتقل إلى الراكب فيجب على الناخس الضمان لتعديه في الإتلاف كما في المسألة الآتية فتفكر في الفرق ولعله تسكب فيه العبرات .




الخدمات العلمية