الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 258 ] قال : ( ومن قطعت يده فاقتص له من اليد ثم مات فإنه يقتل المقتص منه ) لأنه تبين أن الجناية كانت قتل عمد وحق المقتص له القود ، واستيفاء القطع لا يوجب سقوط القود كمن كان له القود إذا استوفى طرف من عليه القود . وعن أبي يوسف أنه يسقط حقه في القصاص ، لأنه لما أقدم على القطع فقد أبرأه عما وراءه . ونحن نقول : إنما أقدم على القطع ظنا منه أن حقه فيه وبعد السراية تبين أنه في القود فلم يكن مبرئا عنه بدون العلم به .

التالي السابق


( قوله ومن قطعت يده فاقتص له من اليد ثم مات فإنه يقتل المقتص منه ) قال صاحب العناية : لم يذكر ما إذا مات المقتص منه من القطع . وحكمه الدية على عاقلة المقتص له عند أبي حنيفة رحمه الله .

وعند أبي يوسف ومحمد الشافعي . لا شيء عليه على ما سيجيء انتهى . أقول : هذا الكلام منه هنا كلام خال عن التحصيل ، لأنه إن كان مقصوده منه مؤاخذة المصنف بأنه ترك ذكر تلك الصورة مع كون ذكرها أيضا مما يهم فلا وجه له إذ قد ذكرها أيضا فيما بعد ، وإن كان مقصوده منه مؤاخذة المصنف بأنه لم يذكر تلك الصورة هنا مع كون حقها أن تذكر هنا فليس كذلك ، فإن تلك الصورة من قبيل استيفاء من له القصاص في الطرف كما صرح به في الكتاب فيما بعد ، وما نحن فيه من قبيل استيفاء من له القصاص في النفس .

ولما كانت المسألة المتصلة بما نحن فيه من قبيل استيفاء من له القصاص في النفس أيضا كما ترى ذكرها المصنف عقيب ما نحن فيه وأخر تلك الصورة عنها ، وإن كان مقصوده منه مجرد بيان حكم تلك الصورة أيضا دون مؤاخذة المصنف بشيء فلا فائدة فيه ، إذ قد بين المصنف حكمها فيما سيجيء مفصلا ومدللا فيلغو بيان ذلك الشارح إياه هاهنا ( قوله ونحن نقول : إنما أقدم على القطع ظنا منه أن حقه فيه وبعد السراية تبين أنه في القود فلم يكن مبرئا عنه بدون العلم به ) قال صاحب الإصلاح والإيضاح : وفيه إشكال لما مر أن صورة العفو تكفي في سقوط القود لأنها تورث شبهة وبذلك تمسكوا في سقوطه فيما إذا عفا عن القطع ثم مات منه ولم يلتفتوا ثمة إلى المقدمة القائلة إنه لا يكون مبرئا عنه بدون العلم به انتهى .

أقول : جوابه أنه قد تقرر عندهم أن الشبهة معتبرة دون شبهة الشبهة ، ففيم نحن فيه يكون الإبراء عن النفس شبهة الشبهة ، لأن الإقدام على القطع لا يقتضي الفراغ مما وراءه رأسا لجواز أن يستوفى القتل أيضا بعد القطع كمن له القود يستوفي طرف من عليه القود ثم يقتله فتحققت شبهة ، ثم إن الفراغ مما وراء القطع لا يقتضي الإبراء عنه أيضا لجواز أن يفرغ منه ظنا أن حقه في القطع لا إبراء عما وراءه فتحققت شبهة بعد شبهة فصارت شبهة الشبهة فلم تعتبر ، بخلاف ما إذا عفا عن القطع ثم مات منه فإن العفو عن القطع هنا مقرر لا شبهة فيه .

وإنما بقيت شبهة أن يكون العفو عن القطع عفوا عن القتل فاعتبرت في سقوط القود بها لكون الشبهة دارئة له فافترقا تأمل ، فإن هذا معنى [ ص: 259 ] عميق وفرق دقيق




الخدمات العلمية