الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ومن أوصى لزيد وعمرو بثلث ماله فإذا عمرو ميت فالثلث كله لزيد ) لأن الميت ليس بأهل للوصية فلا يزاحم الحي الذي هو من أهلها ، كما إذا أوصى لزيد وجدار . وعن أبي يوسف رحمه الله [ ص: 449 ] أنه لم يعلم بموته فله نصف الثلث ، لأن الوصية عنده صحيحة لعمرو فلم يرض للحي إلا نصف الثلث بخلاف ما إذا علم بموته لأن الوصية للميت لغو فكان راضيا بكل الثلث للحي ، وإن قال ثلث مالي بين زيد وعمرو وزيد ميت كان لعمرو نصف الثلث ، لأن قضية هذا اللفظ أن يكون لكل واحد منهما نصف الثلث بخلاف ما تقدم ، ألا ترى أن من قال ثلث مالي لزيد وسكت كان له كل الثلث ، ولو قال ثلث مالي بين فلان وسكت لم يستحق الثلث .

التالي السابق


( قوله ومن أوصى لزيد وعمرو بثلث ماله فإذا عمرو ميت فالثلث كله لزيد ، لأن الميت ليس بأهل للوصية فلا يزاحم الحي الذي هو من أهلها كما إذا أوصى لزيد وجدار ) قال صاحب العناية في شرح هذا المقام : [ ص: 449 ] واندفع بقوله فلا يزاحم الحي ما إذا أوصى لزيد وعمرو وهما بالحياة فمات ثم مات أحدهما فإن للباقي نصف الثلث لوجود المزاحمة بينهما حال الملك ، ثم بعد موت أحدهما لا يبطل حقه بل يقوم وارثه فيه مقامه كموت أحد بعد موت المورث ا هـ . أقول : في تقرير الشارح المذكور هنا قصور . أما أولا فلأنه أضاف اندفاع الإشكال بالمسألة التي ذكرها إلى قوله فلا يزاحم الحي مع أن اندفاعه بمجموع التعليل بل بقوله لأن الميت ليس بأهل للوصية في الحقيقة ، وإنما قوله فلا يزاحم الحي متفرع على ذلك ، والأصل أن يضاف الحكم إلى الأصل دون الفرع .

وأما ثانيا فلأن الظاهر من قوله لوجود المزاحمة بينهما حال الملك أن يكون المراد بالمزاحمة المنفية في قول المصنف فلا يزاحم الحي هو المزاحمة حال الملك وهي حال موت الموصي وذلك مع كونه غير تام في نفسه ، لأنه إذا أوصى لزيد وعمرو بثلث ماله وهما بالحياة فمات أحدهما قبل موت الموصي كان للباقي منهما نصف الثلث لا كله كما صرحوا به ، مع أن العلة هناك أيضا التزاحم ، وإن التزاحم فيه إنما يتصور في حال إيجاب الموصي لا في حال الملك إذا كان أحدهما ميتا في حال الملك ولا تزاحم للميت غير مطابق لما ذكره الشارح المذكور في تعليل جواب ظاهر الرواية فيما بعد حيث قال : ولم يفرق بين علم الموصي بحياته وعدمه في ظاهر الرواية لأن استحقاق الحي منهما لجميع الثلث بعدم المزاحمة عند إيجاب الموصي ، وفي هذا لا فرق بين العلم وعدمه ا هـ .

وأما ثالثا فلأنه لم يتعرض لبيان اندفاع الإشكال بمسألة أخرى أيضا بعبارة الكتاب ، وهي أي تلك المسألة ما إذا أوصى لزيد وعمرو وهما بالحياة فمات أحدهما قبل موت الموصي فإن للباقي نصف الثلث هناك أيضا كما ذكرنا من قبل مع أن التعليل المذكور في الكتاب يفيد اندفاع ذلك أيضا ، فالتقرير الظاهر الواسع في شرح هذا المقام ما أفاده صاحب النهاية حيث قال : وبهذا التعليل خرج الجواب عما لو أوردوا شبهة على هذه المسألة بأن قالوا ما الفرق بين هذه المسألة وبين ما أوصى لزيد وعمرو وهما بالحياة ثم مات الموصي ثم مات أحدهما كان للباقي نصف الثلث والنصف الآخر لورثة الميت منهما ، وكذلك لو مات أحدهما قبل موت الموصي كان للباقي نصف الثلث ، ولكن هنا كان النصف الآخر للموصي [ ص: 450 ] لما أن في المسألة الأولى قد تمت الوصية لهما بموت الموصي ثم بعد ذلك موت أحدهما لا يبطل حقه بل يقوم وارثه فيه مقامه كموت أحد الورثة بعد موت المورث ، وفي المسألة الثانية لما مات أحدهما قبل موت الموصي بطلت حصته لأن الوصية في معنى عقد مضاف إلى ما بعد الموت فيشترط بقاء من أوجب له عند وجود الوصية ولم يوجد حيث مات قبل موت الموصي فيبطل نصيبه ، كما لو مات أحد الورثة قبل موت المورث وللآخر نصف الثلث ، لأن الانقسام قد حصل بينهما عند الإيجاب لكون كل واحد منهما أهلا لإيجاب الوصية له فببطلان حق أحدهما لا يزداد نصيب الآخر ، كما لو رد أحدهما الوصية كان للآخر نصف الثلث ، وهذا على خلاف مسألة الكتاب فإن فيها للحي كل الثلث ، لأن الميت ليس من أهل الوصية له ، فإنما ينتقص حقه بإثبات المزاحمة ولم تثبت المزاحمة حيث كان الآخر ميتا فبقي الثلث للحي منهما بمنزلة ما لو قال ثلث مالي لفلان وللمولى فالثلث كله لفلان ، إلى هنا لفظ النهاية فتبصر




الخدمات العلمية