الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال : ( وفي كل سن خمس من الإبل ) لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه { وفي كل سن خمس من الإبل } والأسنان والأضراس كلها سواء لإطلاق ما روينا ، ولما روي في بعض الروايات : والأسنان كلها سواء ، ولأن كلها في أصل المنفعة سواء فلا يعتبر التفاضل كالأيدي والأصابع ، وهذا إذا كان خطأ ، فإن كان عمدا ففيه القصاص وقد مر في الجنايات . .

التالي السابق


( قوله والأسنان والأضراس كلها سواء ) قال في العناية : قالوا فيه نظر .

والصواب أن يقال : والأسنان كلها سواء ، أو يقال : والأنياب والأضراس كلها سواء ، لأن السن اسم جنس يدخل تحته اثنان وثلاثون : أربع منها ثنايا وهي الأسنان المتقدمة ، اثنتان فوق واثنتان أسفل ، ومثلها رباعيات وهي ما يلي الثنايا ، ومثلها أنياب تلي الرباعيات ، ومثلها .

[ ص: 284 ] ضواحك تلي الأنياب ، واثنتا عشرة سنا تسمى بالطواحن من كل جانب ثلاث فوق وثلاث أسفل ، وبعدها سن وهي آخر الأسنان تسمى ضرس الحلم لأنه يثبت بعد البلوغ وقت كمال العقل ، فلا يصح أن يقال : الأسنان والأضراس سواء لعوده ، إلى معنى أن يقال : الأسنان وبعضها سواء انتهى .

أقول : في هذا النظر مبالغة مردودة حيث قيل في أوله : والصواب أن يقال وفيه إشارة إلى أن ما في الكتاب خطأ ، وقيل في آخره فلا يصح أن يقال الأسنان والأضراس سواء ، وفيه تصريح بعدم صحة ما في الكتاب مع أن تصحيحه على طرف التمام فإن عطف الخاص على العام طريقة معروفة قد ذكرت مزيته في علم البلاغة وله أمثلة كثيرة في التنزيل منها قوله تعالى { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } ومنها قوله تعالى { من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال } فجاز أن يكون ما نحن فيه من قبيل ذلك ، ويعود حاصل معناه إلى أن يقال : الأضراس وما عداه من الأسنان سواء فإنه إذا عطف الخاص على العام يراد بالمعطوف عليه ما عدا المعطوف من أفراد العام كما صرحوا به فلا يلزم المحذور .

ثم إن قوله أو يقال والأنياب والأضراس كلها سواء معارض بمثل ما أورد على ما في الكتاب ، فإن الأضراس تعم الأنياب كما أفصح عنه في المغرب حيث قال : الأضراس ما سوى الثنايا من الأسنان ، وكذا ذكر في النهاية وغيرها فيعود معنى قوله والأنياب والأضراس سواء إلى أن يقال : وبعض الأضراس والأضراس كلها سواء لمثل ما ذكر في الإيراد على ما في الكتاب ، فلا معنى لأن يكون ذاك صوابا دون ما في الكتاب .

نعم الأظهر في إفادة المراد هاهنا أن يقال : والأسنان كلها سواء على ما جاء به لفظ الحديث ، أو أن يقال : والأضراس والثنايا كلها سواء بالجمع بين النوعين كما ذكر في المبسوط .




الخدمات العلمية