الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( ويجوز رهن الدراهم والدنانير والمكيل والموزون ) ; لأنه يتحقق الاستيفاء منه فكان محلا للرهن ( فإن رهنت بجنسها فهلكت هلكت بمثلها من الدين وإن اختلفا في الجودة ) ; لأنه لا معتبر بالجودة عند المقابلة بجنسها ، وهذا عند أبي حنيفة ; لأن عنده يصير مستوفيا باعتبار الوزن دون القيمة ، وعندهما يضمن القيمة من خلاف جنسه ويكون رهنا مكانه ( وفي الجامع الصغير : فإن رهن إبريق فضة وزنه عشرة بعشرة فضاع فهو بما فيه ) قال رضي الله عنه : معناه أن تكون قيمته مثل وزنه أو أكثر

هذا الجواب في الوجهين بالاتفاق ; لأن الاستيفاء عنده باعتبار الوزن وعندهما باعتبار القيمة ، وهي مثل الدين في الأول وزيادة عليه في الثاني فيصير بقدر الدين مستوفيا ( فإن كان قيمته أقل من الدين فهو على الخلاف ) المذكور

لهما أنه لا وجه إلى الاستيفاء بالوزن لما فيه من الضرر بالمرتهن ، ولا إلى اعتبار القيمة ; لأنه يؤدي إلى الربا فصرنا إلى التضمين ، بخلاف الجنس لينتقض القبض ويجعل مكانه ثم يتملكه

وله أن الجودة ساقطة العبرة في الأموال الربوية عند المقابلة بجنسها ، واستيفاء الجيد بالرديء جائز كما إذا تجوز به وقد حصل الاستيفاء بالإجماع ولهذا يحتاج إلى نقضه ، ولا يمكن نقضه بإيجاب [ ص: 164 ] الضمان ; لأنه لا يد له من مطالب ومطالب ، وكذا الإنسان لا يضمن ملك نفسه وبتعذر التضمين يتعذر النقض ، وقيل : هذه فريعة ما إذا استوفى الزيوف مكان الجياد فهلكت ثم علم بالزيافة يمنع الاستيفاء وهو معروف ، غير أن البناء لا يصح ما هو المشهور ; لأن محمدا فيها مع أبي حنيفة وفي هذا مع أبي يوسف

والفرق لمحمد أنه قبض الزيوف ليستوفي من عينها ، والزيافة لا تمنع الاستيفاء ، وقد تم بالهلاك وقبض الرهن ليستوفي من محل آخر فلا بد من نقض القبض ، وقد أمكن عنده بالتضمين ، ولو انكسر الإبريق ففي الوجه الأول وهو ما إذا كانت [ ص: 165 ] قيمته مثل وزنه عند أبي حنيفة وأبي يوسف لا يجبر على الفكاك ; لأنه لا وجه إلى أن يذهب شيء من الدين ; لأنه يصير قاضيا دينه بالجودة على الانفراد ، ولا إلى أن يفتكه مع النقصان لما فيه من الضرر فخيرناه ، إن شاء افتكه بما فيه وإن شاء ضمنه قيمته من جنسه أو خلاف جنسه ، وتكون رهنا عند المرتهن ، والمكسور للمرتهن بالضمان

وعند محمد إن شاء افتكه ناقصا ، وإن شاء جعله بالدين اعتبارا لحالة الانكسار بحالة الهلاك ، وهذا ; لأنه لما تعذر الفكاك مجانا صار بمنزلة الهلاك ، وفي الهلاك الحقيقي مضمون بالدين بالإجماع فكذا فيما هو في معناه

قلنا : الاستيفاء عند الهلاك بالمالية ، وطريقه أن يكون مضمونا بالقيمة ثم تقع المقاصة ، وفي جعله بالدين إغلاق الرهن وهو حكم جاهلي فكان التضمين بالقيمة أولى

وفي الوجه الثالث وهو ما إذا كانت قيمته أقل من وزنه ثمانية يضمن قيمته جيدا من خلاف جنسه أو رديئا من جنسه وتكون رهنا عنده ، وهذا بالاتفاق [ ص: 166 ] أما عندهما فظاهر

وكذلك عند محمد ; لأنه يعتبر حالة الانكسار بحالة الهلاك ، والهلاك عنده بالقيمة

وفي الوجه الثاني وهو ما إذا كانت قيمته أكثر من وزنه اثني عشر عند أبي حنيفة يضمن جميع قيمته وتكون رهنا عنده ; لأن العبرة للوزن عنده لا للجودة والرداءة

فإن كان باعتبار الوزن كله مضمونا يجعل كله مضمونا ، وإن كان بعضه فبعضه ، وهذا لأن الجودة تابعة للذات ، ومتى صار الأصل مضمونا استحال أن يكون التابع أمانة

وعند أبي يوسف يضمن خمسة أسداس قيمته ، ويكون خمسة أسداس الإبريق له بالضمان وسدسه يفرز حتى لا يبقى الرهن شائعا ، ويكون مع قيمته خمسة أسداس المكسور رهنا ; فعنده تعتبر الجودة والرداءة ، وتجعل زيادة القيمة كزيادة الوزن كأن وزنه اثنا عشر ، وهذا لأن الجودة متقومة في ذاتها حتى تعتبر عند المقابلة ، بخلاف جنسها ، وفي تصرف المريض ، وإن كانت لا تعتبر عند المقابلة بجنسها سمعا فأمكن اعتبارها ، وفي بيان [ ص: 167 ] قول محمد نوع طول يعرف في موضعه من المبسوط والزيادات مع جميع شعبها

التالي السابق


( قوله وفي الجامع الصغير : فإن رهن إبريق فضة وزنه عشرة بعشرة فضاع فهو بما فيه ) قال في العناية : وأتى برواية الجامع الصغير لاحتياجها إلى تفصيل [ ص: 164 ] ما ذكره انتهى

وقال بعض الفضلاء طعنا فيه : لا يخفى أن رواية القدوري أيضا محتاجة إلى التفصيل انتهى

أقول : هذا كلام لغو ; إذ لا يخفى أن رواية القدوري ليست محتاجة إلى تفصيل كثير مثل ما تحتاج إليه رواية الجامع الصغير ، وليس مراد صاحب العناية أن رواية الجامع الصغير محتاجة إلى تفصيل ما حتى يقال : إن رواية القدوري أيضا محتاجة إلى ذلك ، بل مراده أن رواية الجامع الصغير محتاجة إلى تفصيل كثير زائد على ما احتاج إليه رواية القدوري كما أتمه المصنف في مقدار تمام جانبي الورقة

وقد أشار إليه صاحب العناية بقوله : إلى تفصيل ذكره فلغا ما قاله ذلك البعض كما لا يخفى ( قوله والفرق لمحمد رحمه الله ) قال صاحب النهاية : أي على تقدير أن تكون هذه المسألة بناء على تلك المسألة

واقتفى أثره في هذا التفسير جماعة من الشراح منهم [ ص: 165 ] صاحب العناية

أقول : لم أدر كيف ذهبوا إلى هذا الشرح مع ظهور بطلانه ; إذ قد صرح المصنف بأن بناء هذه المسألة على تلك المسألة لا يصح على الرواية المشهورة في تلك المسألة ; لأن محمدا فيها مع أبي حنيفة وفي هذه المسألة مع أبي يوسف

وذكر الشراح أن بناء هذه على تلك إنما يتصور على ما روى عيسى بن أبان أن محمدا مع أبي يوسف في تلك المسألة

ولا يخفى أن الفرق لمحمد بين المسألتين إنما يتصور على الرواية المشهورة في تلك المسألة دون رواية عيسى بن أبان فيها ، فإن قول محمد واحد في المسألتين على روايته ، فالفرق لمحمد ينافي البناء قطعا

والصواب في شرح هذا المحل أن يقال : أي على تقدير أن لا تكون هذه [ ص: 166 ] المسألة بناء على تلك المسألة كما هو مقتضى الرواية المشهورة فيها ، بل كانت مسألة مبتدأة كما هو الأصح كما ذكره شيخ الإسلام في مبسوطه ونقل عنه عامة الشراح ها هنا

ويفصح عما ذكرنا تحرير صاحب الكافي في هذا المقام حيث قال : وقيل هذه المسألة فرع ما إذا استوفى الزيوف مكان الجياد وهو لا يعلم به وهلكت الزيوف عنده ثم علم بالزيافة فإنه سقط دينه ولا شيء عليه في قول أبي حنيفة

وقال أبو يوسف : يضمن مثل ما قبض ويأخذ مثل حقه

وقول محمد أولا كقول أبي حنيفة وآخرا كقول أبي يوسف

كذا ذكره عيسى بن أبان

والأصح أن هذه المسألة مبتدأة ; لأن محمدا مع أبي حنيفة في تلك المسألة في المشهور [ ص: 167 ] ومع أبي يوسف في هذه المسألة ، والفرق لمحمد أنه قبض الزيوف إلى آخر كلامه تبصر




الخدمات العلمية