الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو مات الموصى له في حياة الموصي بطلت ) لأن إيجابها تعلق بالموت على ما بيناه من قبل . ولو أوصى بغلة عبده أو داره فاستخدمه بنفسه أو سكنها بنفسه قيل يجوز ذلك لأن قيمة المنافع كعينها في تحصيل المقصود . والأصح أنه لا يجوز لأن الغلة دراهم أو دنانير وقد وجبت الوصية بها ، وهذا استيفاء المنافع وهما متغايران ومتفاوتان في حق الورثة ، فإنه لو ظهر دين يمكنهم أداؤه من الغلة بالاسترداد منه بعد استغلالها ولا يمكنهم من المنافع بعد استيفائها بعينها ، وليس للموصى له بالخدمة والسكنى أن يؤاجر العبد أو الدار . وقال الشافعي : له ذلك لأنه بالوصية ملك المنفعة فيملك تمليكها من غيره ببدل أو غير بدل لأنها كالأعيان عنده ، بخلاف العارية لأنها إباحة على أصله وليس بتمليك ولنا أن الوصية تمليك بغير بدل مضاف إلى ما بعد الموت فلا يملك تمليكه ببدل اعتبارا بالإعارة فإنها تمليك بغير بدل في حالة الحياة على أصلنا ، ولا يملك المستعير الإجارة لأنها تمليك ببدل ، كذا هذا .

وتحقيقه أن التمليك ببدل لازم وبغير بدل غير لازم ، ولا يملك الأقوى بالأضعف والأكثر بالأقل ، والوصية تبرع غير لازم إلا أن الرجوع للمتبرع لا لغيره والمتبرع بعد الموت لا يمكنه الرجوع فلهذا انقطع ، أما هو في وضعه فغير لازم ، ولأن المنفعة ليست بمال على أصلنا وفي تمليكها بالمال إحداث صفة المالية فيها تحقيقا للمساواة في عقد المعاوضة ، [ ص: 488 ] فإنما تثبت هذه الولاية لمن يملكها تبعا لملك الرقبة ، أو لمن يملكها بعقد المعاوضة حتى يكون مملكا لها بالصفة التي تملكها ، أما إذا تملكها مقصودة بغير عوض ثم ملكها بعوض كان مملكا أكثر مما تملكه معنى وهذا لا يجوز ، وليس للموصى له أن يخرج العبد من الكوفة إلا أن يكون الموصى له وأهله في غير الكوفة فيخرجه إلى أهله للخدمة هنالك إذا كان يخرج من الثلث ، لأن الوصية إنما تنفذ على ما يعرف من مقصود الموصي ، فإذا كانوا في مصره فمقصوده أن يمكنه من خدمته فيه بدون أن يلزمه مشقة السفر ، وإذا كانوا في غيره فمقصوده أن يحمل العبد إلى أهله ليخدمهم .

التالي السابق


( قوله فإنما تثبت هذه الولاية لمن تملكها تبعا لملك الرقبة أو لمن تملكها بعقد المعاوضة حتى يكون مملكا لها بالصفة التي تملكها ) قال في العناية : واعترض عليه بإجارة الحر نفسه فإنه لا يملك منفعته تبعا لملك رقبته ولا بعقد المعاوضة ، ويجوز أن يملكها ببدل . وأجيب بأن كلام المصنف في الوصية فمراده بالمنفعة منفعة تجوز الوصية بها ومنفعة الحر ليست كذلك فلا يكون واردا عليه ا هـ .

أقول : الجواب منظور فيه ، لأن كون كلام المصنف في الوصية لا يقتضي كون مراده بالمنفعة المذكورة في مقدمات دليله منفعة تجوز الوصية بها ، [ ص: 489 ] فإن مقدمات الدليل لا يلزم أن تكون مساوية للمدعى ، بل لا بد من كلية الكبرى إذا كان إنتاج الدليل بطريق الشكل الأول وهاهنا كذلك . إذ حاصل هذا الدليل أن الخدمة والسكنى من قبيل المنافع والمنافع ليست بمال على أصلنا ، وما ليس بمال في تمليكه بالمال إحداث صفة المالية فيه تحقيقا للمساواة في عقد المعاوضة ، وما في تمليكه إحداث صفة المالية فيه لا تثبت الولاية عليه بهذه الصفة إلا لمن تملكه تبعا لملك الرقبة أو لمن تملكه بعقد المعاوضة حتى يكون مملكا لها بالصفة التي تملكها ولا يكون مملكا أكثر مما تملكه فإنه لا يجوز شرعا ، ولا يذهب على ذي مسكة أن ما عدا الصغرى من المقدمات المذكورة مع اقتضاء الأدلة الشرعية كلية كل واحدة منها في نفسها لا مجال لتقييد شيء منها بما يخرج به منفعة الحر لوقوعها في محل الكبرى من الشكل الأول تبصر




الخدمات العلمية