الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
. قال ( ولا بأس بتوسده والنوم عليه عند أبي حنيفة ، وقالا : يكره ) وفي الجامع الصغير ذكر قول محمد وحده ، ولم يذكر قول أبي يوسف ، وإنما ذكره القدوري وغيره من المشايخ ، [ ص: 19 ] وكذا الاختلاف في ستر الحرير وتعليقه على الأبواب . لهما العمومات ، ولأنه من زي الأكاسرة والجبابرة والتشبه بهم حرام . وقال عمر رضي الله عنه : إياكم وزي الأعاجم .

وله ما روي { أنه عليه الصلاة والسلام جلس على مرفقة حرير } ، وقد كان على بساط عبد الله بن عباس رضي الله عنهما مرفقة حرير ، ولأن القليل من الملبوس مباح كالأعلام فكذا القليل من اللبس والاستعمال ، والجامع كونه نموذجا على ما عرف .

التالي السابق


( قوله ولا بأس بتوسده والنوم عليه عند أبي حنيفة ، وقالا : يكره ) قال الشراح : يعني للرجل والمرأة جميعا بخلاف اللبس ، ومأخذهم الخلاصة فإنه قال فيها : والرجل والمرأة في هذا سواء ، بخلاف اللبس . وعن هذا قال في النهاية ، كذا في الخلاصة ، وقال في معراج الدراية : ذكره في الخلاصة . أقول : تعميم قول الإمامين هنا للمرأة أيضا [ ص: 19 ] مشكل ، فإن قول النبي صلى الله عليه وسلم " حلال لإناثهم " ليس بمقيد باللبس بل الظاهر أنه يعم التوسد والنوم عليه أيضا ، وهما مع كونهما مستدلين على مدعاهما هاهنا بالعمومات كيف يتركان العمل بعموم هذا الحديث المشهور الذي روته جماعة من كبار الصحابة رضي الله عنهم ( قوله لهما العمومات ) قال صاحب النهاية : وهي ما ذكره من قوله { نهى عن لبس الحرير } وقوله { إنما يلبسه من لا خلاق له في الآخرة } وما روي عن عمر رضي الله عنها أنه استقبل جيشا من الغزاة رجعوا بغنائم ولبسوا الحرير فلما وقع بصره عليهم أعرض عنهم ، فقالوا : لم أعرضت عنا ؟ قال : لأني رأيت عليكم ثياب أهل النار انتهى .

واقتفى أثره صاحب العناية في بيان المراد من العمومات بهذه المذكورات ، أقول : حمل العمومات على هذه المذكورات لا يكاد يتم ; لأن مدلول كل من هذه المذكورات إنما هو حرمة لبس الحرير ، والكلام هاهنا في توسده والنوم عليه ، والظاهر أنهما ليسا بلبس ، إلا أن يقال لمن توسد شيئا أو نام عليه إنه لبسه لا في اللغة ولا في العرف فأنى يوجد العموم ، اللهم إلا أن يقال : التوسد والافتراش وإن لم يكونا لبسا في الحقيقة إلا أنهما في حكم اللبس في تحقق الاستعمال والانتفاع بهما فصار ملحقين باللبس عندهما ، وكان مرادهما بالعموم هو العموم دلالة لا عبارة لكنه تعسف جدا كما لا يخفى . وقال تاج الشريعة في بيان العمومات . هي " وهذان حرامان " الحديث ، وقوله عليه الصلاة والسلام { لأن أتكئ على جمرة الغضا أحب إلي من أن أتكئ على مرفقة حرير } وعن علي رضي الله عنه أنه أتى بدابة على سرجها حرير فقال : هذا لهم في الدنيا ولنا في الآخرة انتهى . واقتفى أثره صاحب الكفاية في هذا البيان . أقول : هذا أشبه من الأول ، ولكن فيه أيضا شيء ، فإن العموم في الحديث الأول ظاهر حيث لم يقيد الحرمة فيه بشيء من اللبس والتوسد وغيرهما ، وأما في الأخيرين فلا ، لأن الثاني مخصوص بالاتكاء والثالث مخصوص بما يفعل في السرج من القعود والافتراش فلم يظهر في شيء منهما العموم إلا أن ينظر في الثالث إلى مجرد قوله هذا لهم في الدنيا ولنا في الآخرة مع قطع النظر عما قبله فحينئذ يتحمل العموم كما ترى




الخدمات العلمية