الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو وجد بدن القتيل أو أكثر من نصف البدن أو النصف ومعه الرأس في محلة فعلى أهلها القسامة والدية ، وإن وجد نصفه مشقوقا [ ص: 380 ] بالطول أو وجد أقل من النصف ومعه الرأس أو وجد يده أو رجله أو رأسه فلا شيء عليهم ) لأن هذا حكم عرفناه بالنص وقد ورد به في البدن ، إلا أن للأكثر حكم الكل تعظيما للآدمي ، بخلاف الأقل لأنه ليس ببدن ولا ملحق به فلا تجري فيه القسامة ، ولأنا لو اعتبرناه تتكرر القسامتان والديتان بمقابلة نفس واحدة ولا تتواليان ، [ ص: 381 ] والأصل فيه أن الموجود الأول إن كان بحال لو وجد الباقي تجري فيه القسامة لا تجب فيه ، وإن كان بحال لو وجد الباقي لا تجري فيه القسامة تجب ، والمعنى ما أشرنا إليه ، وصلاة الجنازة في هذا تنسحب على هذا الأصل لأنها لا تتكرر .

التالي السابق


( قوله لأن هذا حكم عرفناه بالنص وقد ورد به في البدن إلا أن للأكثر حكم الكل تعظيما للآدمي ، بخلاف الأقل ; لأنه ليس ببدن ولا ملحق به فلا تجري فيه القسامة ) يعني أن وجوب القسامة على أهل المحلة ووجوب الدية على عواقلهم ثبت بالنص على خلاف القياس ، والنص ورد في كل البدن وأكثر البدن كل حكما وإن لم يكن كلا حقيقة ، فألحق أكثر البدن بالبدن في وجوب القسامة والدية تعظيما لأمر الدم وما سواه ليس بكل أصلا لا حقيقة ولا حكما فبقي على أصل القياس فلم تجب فيه القسامة والدية ، كذا في غاية البيان . أقول : في هذا التعليل شيء ، وهو أنه قد ذكر في وضع المسألة أنه لو وجد بدن القتيل أو أكثر من نصف البدن أو النصف ومعه الرأس في محلة فعلى أهلها القسامة والدية . والتعليل المذكور إنما يفيد وجوب القسامة والدية على أهل المحلة فيما إذا وجد بدن القتيل أو أكثر من نصف البدن في هاتيك المحلة لا فيما إذا وجد النصف ومعه الرأس فيها ، فإن الموجود فيها في هذه الصورة ليس كل البدن ولا أكثره ، فلم يكن ما ورد فيه النص ولا ملحقا به فلم يتم التقريب ، اللهم إلا أن يقال : النصف إذا كان معه الرأس يصير في حكم أكثر البدن بناء على شرف الرأس وكونه أصلا كما صرحوا به ، فيصير قول المصنف : إلا أن للأكثر حكم الكل تعظيما للآدمي شاملا لما هو الأكثر حقيقة أو حكما فيتم التقريب بهذا التأويل .

ثم بقي شيء آخر ، وهو أن قول المصنف بخلاف الأقل ; لأنه ليس ببدن ولا ملحق به فلا تجري فيه القسامة قاصر عن إفادة تمام المقصود ، إذ قد ذكر من قبل أنه إن وجد نصفه مشقوقا بالطول أو وجد أقل من النصف ومعه الرأس أو وجد يده أو رجله أو رأسه فلا شيء عليهم . ولا يخفى أن قوله بخلاف الأقل إلخ لا يشمل ما وجد نصفه مشقوقا بالطول فلا يحصل تمام التقريب ، فالأولى أن يقال : بخلاف الأقل والنصف الذي ليس معه الرأس إلخ ، وكأن صاحب الغاية ذاق هذه البشاعة حيث قال في شرحه بدل قول المصنف بخلاف الأقل إلخ وما سواه ليس بكل أصلا لا حقيقة ولا حكما فبقي على أصل القياس فلم تجب فيه القسامة والدية ا هـ .

وأورد بعض الفضلاء على قول المصنف إلا أن للأكثر حكم الكل تعظيما للآدمي حيث قال فيه بحث ، لأن هذا قياس انتهى .

أقول : ليس ذاك بوارد ، فإن هذا الذي ذكره المصنف ليس بقياس بل هو إلحاق بدلالة النص كما يرشد إليه قوله ولا ملحق به في قوله بخلاف الأقل لأنه ليس ببدن ولا ملحق به ، والذي لا يجوز في هذا الباب هو القياس لا دلالة النص كما لا يخفى .

( قوله ولأنا لو اعتبرناه تتكرر القسامتان والديتان بمقابلة نفس واحدة ولا تتواليان ) يعني لو وجبت بالأقل لوجبت بالأكثر أيضا إذا وجد ، وكذلك لو وجبت بالنصف لوجبت بالنصف الآخر أيضا إذا وجد ، فيلزم أن تتكرر القسامتان والديتان في مقابلة نفس واحدة ، وذلك لا يجوز إذ لم تشرعا مكررتين قط . قال في غاية البيان : كان ينبغي أن يقول : يتكرر القسامة والدية بلفظ المفرد ولا يذكرهما بلفظ التثنية لأنه حينئذ يكون أكثر من القسامتين والديتين وليس كذلك ، وقصد [ ص: 381 ] صاحب العناية توجيه عبارة المصنف حيث قال بعد نقل ما في غاية البيان : ويجوز أن يكون مراده القسامتان والديتان على القطعتين يتكرران في خمسين نفسا انتهى .

أقول : ليس هذا بشيء لأن القسامة في الشرع اسم لمجموع أيمان يقسم بها خمسون من أهل المحلة وكذا الدية اسم لمجموع ما وجب من المال بمقابلة دم إنسان فكيف يتصور أن يتحققا في كل واحد من خمسين نفسا حتى يصح توجيه تكرر القسامتين والديتين على القطعتين بتكررهما في خمسين نفسا ، وإنما الموجود في آحاد خمسين نفسا بعض القسامة والدية لأنفسهما ، والكلام في إسناد التكرر إلى نفس القسامتين والديتين فلا مساغ لذلك التوجيه .

( قوله والأصل فيه أن الموجود الأول إن كان بحال لو وجد الباقي تجري فيه القسامة لا تجب إلخ ) أقول : فيه نظر ، لأنه إذا كان الباقي نصف القتيل مشقوقا بالطول مثلا يصدق عليه أنه بحال لو وجد لا تجري فيه القسامة ، إذ قد صرح فيما قبل بأنه إن وجد نصفه مشقوقا بالطول فلا شيء عليهم مع أنه لا تجب القسامة حينئذ في الموجود الأول أيضا بناء على ذلك المصرح به فيما قبل فانتقض بمثل هذه الصورة قوله : وإن كان بحال لو وجد الباقي لا تجري فيه القسامة تجب كما لا يخفى




الخدمات العلمية