الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  248 4 - حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثني عبد الصمد ، قال : حدثني شعبة قال : حدثني أبو بكر بن حفص ، قال : سمعت أبا سلمة يقول : دخلت أنا وأخو عائشة على عائشة فسألها أخوها عن غسل النبي صلى الله عليه وسلم فدعت بإناء نحو من صاع ، فاغتسلت وأفاضت على رأسها وبيننا وبينها حجاب .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة .

                                                                                                                                                                                  ( بيان رجاله ) وهم سبعة . الأول عبد الله بن محمد الجعفي المسندي بضم الميم تقدم في باب الإيمان .

                                                                                                                                                                                  الثاني عبد الصمد بن عبد الوارث التنوري مر في كتاب العلم في باب من أعاد الحديث ثلاثا .

                                                                                                                                                                                  الثالث : شعبة بن الحجاح تكرر ذكره .

                                                                                                                                                                                  الرابع : أبو بكر بن حفص بن عمر بن سعد بن أبي وقاص وهو مشهور بالكنية ، وقيل : اسمه عبد الله .

                                                                                                                                                                                  الخامس : أبو سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف مر في باب الوحي ، وهو ابن أخت عائشة من الرضاعة أرضعته أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، فعائشة خالته .

                                                                                                                                                                                  السادس : أخو عائشة من الرضاعة كما جاء مصرحا به في ( صحيح مسلم ) واسمه فيما قيل : عبد الله بن يزيد ، قاله النووي ، وقال مسلم في ( الطبقات ) عبد الله بن يزيد رضيع عائشة ، وقال الداودي في شرحه : إنه أخوها عبد الرحمن . قيل : إنه وهم منه ، وقيل : هو أخوها لأمها وهو الطفيل بن عبد الله . قيل : هو غير صحيح ، والدليل على فساد هذين القولين ما رواه مسلم من طريق معاذ والنسائي من طريق خالد بن الحارث وأبو عوانة من طريق يزيد بن هارون كلهم عن شعبة في هذا الحديث أنه أخوها من الرضاعة ، ثم الذي ادعى أنه عبد الله بن يزيد استدل بما رواه مسلم في الجنائز عن أبي قلابة عن عبد الله بن يزيد رضيع عائشة ، فذكر حديثا غير هذا . قلت : لا يلزم من هذا أن يكون هو عبد الله بن يزيد ; لأن لها أخا آخر من الرضاعة وهو كثير بن عبيد رضيع عائشة رضي الله تعالى عنها روى عنها أيضا ، والظاهر أنه لم يتعين ، والأقرب أنه عبد الرحمن ولا يلزم من رواية مسلم وغيره أن يتعين عبد الله بن يزيد ; لأن الذي سألها عن غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتعين أن يكون هو الذي روى عنه أبو قلابة في الجنائز .

                                                                                                                                                                                  السابع : عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله تعالى عنهما .

                                                                                                                                                                                  ( بيان لطائف إسناده ) فيه التحديث بصيغة الجمع في أربعة مواضع . وفيه : السماع والسؤال . وفيه : راويان كلاهما بالكنية مشهوران ومشاركان في الاسم على قول من يقول أن اسم أبي بكر عبد الله ، وكلاهما زهريان ومدنيان .

                                                                                                                                                                                  ( بيان المعنى واستنباط الأحكام ) قوله : " يقول " جملة في محل النصب على الحال ، هذا هو الصحيح إن سمعت لا يتعدى إلى مفعول واحد ، وعلى قول من يقول يتعدى إلى مفعولين ، منهم الفارسي تكون الجملة في محل النصب على أنها مفعول ثان . قوله : " وأخو عائشة " عطف على الضمير المرفوع المتصل بعد التوكيد بضمير منفصل ، وهو قوله : أنا وهذه القاعدة .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 198 ] أنه لا يحسن العطف على الضمير المرفوع المتصل بارزا كان أو مستترا إلا بعد توكيده بضمير منفصل نحو : لقد كنتم أنتم وآباؤكم . قوله : " نحو من صاع " بالجر والتنوين في نحو ; لأنه صفة إناء ، وفي رواية كريمة : نحوا بالنصب فيحتمل وجهين : أحدهما كون موصوفه منصوب المحل ; لأنه مفعول قوله : " فدعت " والآخر بإضمار أعني ونحوه . قوله : " وأفاضت " ، أي : أسالت الماء على رأسها ، وهذه الجملة كالتفسير لقوله : فاغتسلت . قوله : " وبيننا وبينها حجاب " ، جملة وقعت حالا .

                                                                                                                                                                                  وقال القاضي عياض : ظاهر هذا الحديث أنهما رأيا عملها في رأسها وأعالي جسدها مما يحل للمحرم نظره من ذات الرحم ، ولولا أنهما شاهدا ذلك لم يكن لاستدعائها الماء وطهارتها بحضرتهما معنى إذ لو فعلت ذلك كله في ستر عنهما لرجع الحال إلى وصفها لهما ، وإنما فعلت الستر لستر أسافل البدن وما لا يحل للمحرم النظر إليها ، وفي فعلها هذا دلالة على استحباب التعلم بالفعل فإنه أوقع في النفس من القول وأدل عليه ، وقال بعضهم : ولما كان السؤال محتملا للكيفية والكمية فأتت لهما ما يدل على الأمرين معا ، أما الكيفية فبالاقتصار على إفاضة الماء ، وأما الكمية فبالاكتفاء بالصاع . قلت : لا نسلم أن السؤال عن الكمية أيضا ، ولئن سلمنا فلم تبين إلا الكيفية ولا تعرض فيه للكمية ; لأنه قال : " فدعت بإناء نحو من صاع " ، فلا يدل ذلك على حقيقة الكمية ; لأنها طلبت إناء ماء مثل صاع ، فيحتمل أن يكون ذلك الماء ملء الإناء أو أقل منه . وفيه : ما يدل على أن العدد والتكرار في إفاضة الماء ليس بشرط ، والشرط وصول الماء إلى جميع البدن .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية