الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  290 ( قال أبو عبد الله : وحديث النبي صلى الله عليه وسلم أكثر ) .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أبو عبد الله هو البخاري نفسه وكأنه أشار بهذا الكلام إلى درجة التوفيق بين الخبرين ، وهو أن كلام الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم أكثر قوة وقبولا من كلام غيره من الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، وقال الكرماني : ويروى : أكبر ، بالباء الموحدة ، ومعناه على هذا ، وحديث النبي صلى الله عليه وسلم أعظم وأجل وآكد ثبوتا ، وفسر الكرماني الأكثر بالثاء المثلثة ، أي : أشمل ; لأنه يتناول بنات إسرائيل وغيرهن ، وقال بعضهم : أكثر ، أي : أشمل ; لأنه عام في جميع بنات بني آدم ، فيتناول الإسرائيليات ومن قبلهن . قلت : لم لا يجوز أن يكون الشمول في بنات إسرائيل ومن بعدهن ، وقال الداودي : ليس بينهما مخالفة فإن نساء [ ص: 256 ] بني إسرائيل من بنات آدم . وقال بعضهم : فعلى هذا ، فقوله : بنات آدم عام ، أريد به الخصوص . قلت : ما أبعد كلام الداودي في التوفيق بينهما نعم نحن ما ننكر أن نساء بني إسرائيل من بنات آدم ، ولكن الكلام في لفظ الأولية فيهما ، ولا تنتفي المخالفة إلا بالتوفيق بين لفظي الأولية ، وأبعد من هذا قول هذا القائل عام أريد به الخصوص ، فكيف يجوز تخصيص عموم كلام النبي صلى الله عليه وسلم بكلام غيره ، ثم قال هذا القائل : ويمكن أن يجمع بينهما بأن الذي أرسل على نساء بني إسرائيل طول مكثه بهن عقوبة لهن لا ابتداء وجوده . قلت : هذا كلام من لا يذوق المعنى ، وكيف يقول : لا ابتداء وجوده ، والخبر فيه أول ما أرسل وبينه وبين كلامه منافاة ، وأيضا من أين ورد أن الحيض طال مكثه في نساء بني إسرائيل ، ومن نقل هذا ، وقد روى الحاكم بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن ابتداء الحيض كان على حواء عليها الصلاة والسلام بعد أن أهبطت من الجنة ، وكذا رواه ابن المنذر ، وقد روى الطبري وغيره عن ابن عباس وغيره ، أن قوله تعالى في قصة إبراهيم صلى الله عليه وسلم : وامرأته قائمة فضحكت أي : حاضت ، والقصة متقدمة على بني إسرائيل بلا ريب ; لأن إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام . قلت : ولقد حضر لي جواب في التوفيق من الأنوار الإلهية بعونه ولطفه ، وهو أنه يمكن أن الله تعالى قطع حيض نسائهم ; لأن من حكم الله تعالى أنه جعل الحيض مسببا لوجود النسل ، ألا ترى أن المرأة إذا ارتفع حيضها لا تحمل عادة ، فلما أعاده عليهن كان ذلك أول الحيض بالنسبة إلى مدة الانقطاع فأطلق الأولية عليه بهذا الاعتبار ; لأنها من الأمور النسبية فافهم .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية