الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  179 45 - حدثني محمد بن سلام ، قال: أخبرنا يزيد بن هارون ، عن يحيى ، عن موسى بن عقبة ، عن كريب ، مولى ابن عباس ، عن أسامة بن زيد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أفاض من عرفة عدل إلى الشعب فقضى حاجته، قال أسامة بن زيد: فجعلت أصب عليه ويتوضأ فقلت: يا رسول الله أتصلي؟ فقال: المصلى أمامك.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة.

                                                                                                                                                                                  ( بيان رجاله ) وهم ستة: الأول هو محمد بن سلام كما هو في رواية كريمة وسلام بتخفيف اللام، وقيل بالتشديد والأول أصح، وقد مر في كتاب الإيمان. الثاني يزيد بن هارون أحد الأعلام مر في باب [ ص: 60 ] التبرز في البيوت. الثالث يحيى بن سعيد الأنصاري مر في كتاب الوحي. الرابع موسى بن عقبة الأسدي المدني التابعي تقدم في إسباغ الوضوء. الخامس كريب مولى ابن عباس التابعي تقدم أيضا في إسباغ الوضوء. السادس أسامة بن زيد رضي الله تعالى عنه.

                                                                                                                                                                                  ( بيان لطائف إسناده ) منها أن فيه التحديث والإخبار والعنعنة، ومنها أن فيه رواية ثلاثة من التابعين في نسق واحد وهم يحيى وموسى وكريب وهو من أوساط التابعين، ومنها أن رواته ما بين بيكندي وواسطي ومدني، ووقع لابن المنير في هذا الإسناد وهم، فإنه قال: فيه ابن عباس، عن أسامة بن زيد وليس من رواية ابن عباس، وإنما هو من رواية كريب مولى ابن عباس، عن أسامة.

                                                                                                                                                                                  ( بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرجه البخاري في الطهارة عن القعنبي وعن ابن سلام، وأخرجه في الحج عن عبد الله بن يوسف، عن مالك، عن موسى بن عقبة، وفي الحج أيضا عن مسدد، عن حماد بن زيد، عن يحيى، عن موسى. وأخرجه مسلم في الحج عن يحيى بن يحيى، عن مالك به، وعن محمد بن رمح، عن ليث بن سعد، عن يحيى بن سعيد به، وعن إسحاق، عن يحيى بن آدم، عن زهير كلاهما عن إبراهيم بن عقبة، وعن إسحاق، عن وكيع، عن سفيان، عن محمد بن عقبة كلاهما عن كريب به. وأخرجه أبو داود في الطهارة عن القعنبي به. وأخرجه النسائي فيه عن محمود بن غيلان، عن وكيع، عن سفيان، عن إبراهيم بن عقبة به، وعن أحمد بن سليمان، عن يزيد بن هارون به، وعن قتيبة، عن مالك به، عن قتيبة، عن حماد بن زيد، عن إبراهيم بن عقبة به مختصرا.

                                                                                                                                                                                  ( بيان المعنى والإعراب ) قوله: "لما أفاض" أي لما رجع أو دفع. قوله: "من عرفة" أي من وقوف عرفة; لأن عرفة اسم الزمان والدفع كان من عرفات; لأنه اسم المكان، وقيل: جاء عرفة أيضا اسما للمكان، فعلى هذا لا يحتاج إلى التقدير. وقال الجوهري : قول الناس نزلنا عرفة شبيه بمولد وليس بعربي محض.

                                                                                                                                                                                  قوله: عدل إلى الشعب أي توجه إليه، والشعب بكسر الشين الطريق في الجبل. قوله: "أصب" بضم الصاد ومفعوله محذوف، والجملة خبر جعلت لأنه من أفعال المقاربة. قوله: "يتوضأ" جملة موضعها النصب على الحال، وجاز وقوع الفعل المضارع المثبت حالا مع الواو، وقال الزمخشري : قوله تعالى: ويجعل الله فيه خيرا كثيرا حال وكذا ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين ويجوز أن يقدر مبتدأ "ويتوضأ" خبره، والتقدير وهو يتوضأ فحينئذ تكون جملة اسمية أو تكون الواو للعطف.

                                                                                                                                                                                  قوله: قال وفي رواية "فقال" بفاء العطف أي: قال النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم. قوله: "المصلى" أي مكان الصلاة أمامك بفتح الميم الثانية; لأنه ظرف أي قدامك.

                                                                                                                                                                                  ( بيان استنباط الأحكام ) منها ما قاله النووي فيه دليل على جواز الاستعانة في الوضوء، وهي على ثلاثة أقسام: أحدها أن يستعين في إحضار الماء فلا كراهية فيه. والثاني أن يستعين في غسل الأعضاء ويباشر الأجنبي بنفسه غسل الأعضاء فهذا مكروه إلا لحاجة . والثالث أن يصب عليه فهذا مكروه في أحد الوجهين، والأولى تركه. قلت: فيه حزازة لأن ما فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام لا يقال فيه الأولى تركه; لأنه عليه الصلاة والسلام لا يتحرى إلا ما فعله أولى ، ثم إذا قيل: الأولى تركه كيف ينازع في كراهته وليس حقيقة المكروه إلا ذلك كذا قاله الكرماني، قلت: هذا حقيقة المكروه كراهة التنزيه لا المكروه كراهة التحريم.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن بطال: واستدل البخاري من صب الماء عليه أنه يجوز للرجل أن يوضئه غيره; لأنه لما لزم المتوضئ اغتراف الماء من الإناء بأعضائه جاز له أن يكفيه ذلك غيره بدليل صب أسامة، والاغتراف بعض أعمال الوضوء، فكذلك يجوز سائر أعماله، وهذا من باب القربات التي يجوز أن يعملها الرجل عن غيره بخلاف الصلاة، ولما أجمعوا أنه جائز للمريض أن يوضئه غيره وييممه إذا لم يستطع، ولا يجوز أن يصلي عنه إذا لم يستطع دل أن حكم الوضوء بخلاف حكم الصلاة قال: وهذا الباب رد لما روي عن جماعة أنهم قالوا: نكره أن يشركنا في الوضوء أحد، فإن قلت : البخاري لم يبين في هذه المسألة الجواز ولا عدمه قلت: إذا عقد الباب أفلا يعلم منه جوازه وإن لم يصرح به. وقال ابن المنير: قاس البخاري توضئة الرجل غيره على صبه عليه لاجتماعهما في الإعانة قلت: هذا قياس بالفارق والفرق ظاهر، وروي عن عمر وعلي رضي الله تعالى عنهما أنهما نهيا أن يستقى لهما الماء لوضوئهما وقالا: نكره أن يشركنا في [ ص: 61 ] الوضوء أحد،ورويا ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام قلت : الحديث هو قوله عليه الصلاة والسلام : أنا لا أستعين في وضوئي بأحد . قاله لعمر رضي الله عنه ، وقد بادر ليصب الماء على يديه . قال النووي في شرح المهذب : هذا حديث باطل لا أصل له ، وذكره الماوردي في الحاوي بسياق آخر ، فقال : روي أن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه هم بصب الماء على يد رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال : أنا لا أحب أن يشاركني في وضوئي أحد . وهذا الحديث لا أصل له ، والذي وقع على زعم الراوي كان لعمر رضي الله عنه دون أبي بكر . وروي عن ابن عمر أنه قال : ما أبالي أعانني رجل على طهوري أو على ركوعي وسجودي . وثبت عن ابن عمر خلاف ما ذكر عنه ، فروى شعبة عن أبي بشر ، عن مجاهد أنه كان يسكب على ابن عمر الماء فيغسل رجليه وهذا أصح عن ابن عمر إذ راوي المنع رجل اسمه أيفع وهو مجهول ، والحديث عن علي رضي الله عنه لا يصح; لأن راويه النضر بن منصور ، عن أبي الجنوب عنه وهما غير حجة في الدين ولا يعتد بنقلهما .

                                                                                                                                                                                  وقال البزار في كتاب السنن : لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه يعني من حديث النضر ، عن أبي الجنوب عقبة بن علقمة . وقال عثمان بن سعيد فيما ذكره ابن عدي قلت ليحيى : ما حال هذا السند؟ فقال : هؤلاء حمالة الحطب ، وتمام الحديث أخرجه البزار في كتاب الطهارة . وأبو يعلى في مسنده من طريق النضر بن منصور ، عن أبي الجنوب قال : رأيت عليا رضي الله عنه يستقي الماء لطهوره ، فبادرت أستقي له فقال : مه يا أبا الجنوب فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقي الماء لوضوئه ، فبادرت أستقي له فقال : مه يا أبا الحسن; فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقي الماء لوضوئه فبادرت أستقي له فقال : مه يا عمر فإني لا أريد أن يعينني على وضوئي أحد .

                                                                                                                                                                                  وقال الطبري : صح عن ابن عباس أنه صب على يدي عمر رضي الله عنه الوضوء بطريق مكة شرفها الله تعالى حين سأله عن المرأتين اللتين تظاهرتا ، وقيل : صب ابن عباس على يدي عمر أقرب للمعونة من استقاء الماء ، ومحال أن يمنع عمر رضي الله تعالى عنه استقاء الماء ويبيح صب الماء عليه للوضوء مع سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم الكراهة ، قلت : لقائل أن يقول : إن أسامة تبرع بالصب وكذا غيره أمر منه صلى الله عليه وسلم لهم ، فإن قلت : هل يجوز أن يستدعي الإنسان الصب من غيره بأمره؟ قلت : نعم لما روى الترمذي محسنا من حديث ابن عقيل ، عن الربيع قالت : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بميضأة فقال : اسكبي فسكبت فذكرت وضوءه عليه الصلاة والسلام . ورواه الحاكم في المستدرك ، قال : ولم يحتج البخاري بابن عقيل وهو مستقيم الحديث متقدم في الشرف ، وروى ابن ماجه بسند صحيح على شرط ابن حبان من حديث صفوان بن عسال .

                                                                                                                                                                                  قال : " صببت على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم الماء في السفر والحضر في الوضوء " . وعنده أيضا بسند معلل ، عن أم عياش وكانت أمة لرقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : كنت أوضئ رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أنا قائمة وهو قاعد " . وممن كان يستعين على وضوئه بغيره من السلف عثمان رضي الله تعالى عنه ، قال الحسن : رأيته يصب عليه من إبريق وفعله عبد الرحمن بن أبزى والضحاك بن مزاحم ، وقال أبو الضحى : ولا بأس للمريض أن يوضئه الحائض . وبقية الأحكام ذكرناها في باب إسباغ الوضوء .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية