الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  274 ( وقال بهز عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم الله أحق أن يستحيا منه من الناس )

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  الكلام فيه على أنواع : الأول : في وجه مطابقة هذا للترجمة ، وهو إنما يطابق إذا حملناه على الندب والاستحباب لا على الإيجاب ، وعليه عامة الفقهاء كما ذكرناه ، وقال بعضهم : ظاهر حديث بهز أن التعري في الخلوة غير جائز لكن استدل المصنف على الجواز في الغسل بقصة موسى ، وأيوب عليهما السلام . قلت : على قوله : لا يكون حديث بهز مطابقا للترجمة ، فلا وجه لذكره هاهنا لكن نقول : إنه مطابق وإيراده هاهنا موجه ; لأنه عنده محمول على الندب ، كما حمله عامة الفقهاء ، فإذا كان مندوبا كان التستر أفضل فيطابق قوله : والتستر أفضل خلافا لما قاله أبو عبد الملك فيما حكاه ابن التين عنه يريد بقوله : فالله أحق أن يستحى منه من الناس أن لا يغتسل أحد في الفلاة ، وهذا فيه حرج بين ونقل عنه أنه قال : معناه أن لا يعصى ، وهذا جيد . وقال الكرماني : قال العلماء : كشف العورة في حال الخلوة بحيث لا يراه آدمي إن كان لحاجة جاز ، وإن كان لغير حاجة ففيه خلاف في كراهته وتحريمه ، والأصح عند الشافعي أنه حرام .

                                                                                                                                                                                  النوع الثاني : في رجاله وهم ثلاثة : الأول : بهز بفتح الباء الموحدة وسكون الهاء ، وفي آخره زاي معجمة ، وقال الحاكم : بهز كان من الثقات ممن يحتج بحديثه ، وإنما لا يعد من الصحيح روايته عن أبيه عن جده ; لأنها شاذة ولا متابع له فيها ، وقال الخطيب : حدث عنه الزهري ومحمد بن عبد الله الأنصاري ، وبين وفاتيهما إحدى وتسعون سنة . الثاني : أبوه حكيم بفتح الحاء وكسر الكاف ، ووقع في رواية [ ص: 229 ] الأصيلي ، وقال بهز بن حكيم : يذكر أبيه صريحا ، وهو تابعي ثقة . الثالث : جده معاوية بن حيدة بفتح الحاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف ، وهو صحابي على ما قاله صاحب ( الكمال ) وكلام البخاري يشعر بذلك أيضا .

                                                                                                                                                                                  النوع الثالث : إن هذا تعليق من البخاري ، وهو قطعة من حديث طويل أخرجه أصحاب السنن الأربعة ، فأبو داود أخرجه في كتاب الحمام والترمذي في الاستئذان في موضعين ، والنسائي في عشرة النساء وابن ماجه في النكاح ، وقال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا يزيد بن هارون وأبو أسامة ، قالا : حدثنا بهز بن حكيم ، عن أبيه ، عن جده قال : قلت : يا رسول الله ، عوراتنا ما نأتي منه وما نذر . قال : احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك . قلت : يا رسول الله ، أرأيت إن كان القوم بعضهم في بعض ؟ قال : إن استطعت أن لا تريها أحدا فلا ترها . قلت : يا رسول الله ، فإن كان أحدنا خاليا ؟ قال : فالله أحق أن يستحى منه من الناس .

                                                                                                                                                                                  النوع الرابع : في حكمه ، وهو أن الترمذي لما أخرجه ، قال : حديث حسن ، وصححه الحاكم ، وأما عند البخاري فبهز وأبوه ليسا من شرطه ، وأما الإسناد إلى بهز فصحيح ، ولهذا لما علق في النكاح شيئا من حديث بهز وأبيه لم يجزم به ، بل قال : ويذكر عن معاوية بن حيدة ، فمن هذا يعرف أن مجرد جزمه بالتعليق لا يدل على صحة الإسناد إلا إلى من علق عنه ، وأما ما فوقه فلا يدل فافهم .

                                                                                                                                                                                  النوع الخامس : في معناه وإعرابه . قوله : " عوراتنا " جمع عورة " ، وهي كل ما يستحى منه إذا ظهر ، وهي من الرجل ما بين السرة والركبة ، ومن الحرة جميع الجسد إلا الوجه واليدين إلى الكوعين ، وفي أخمصها خلاف ، ومن الأمة مثل الرجل وما يبدو منها في حال الخدمة كالرأس والرقبة والساعد فليس بعورة وستر العورة في الصلاة وغير الصلاة واجب . وفيه : عند الخلوة خلاف ، وكل خلل وعيب في شيء فهو عورة . قوله : " وما نذر " ، أي : وما نترك ، وأمات العرب ماضي يذر ويدع إلا ما جاء في قراءة شاذة في قوله تعالى : ما ودعك ، بالتخفيف . قوله : " أرأيت " معناه أخبرني . قوله : " من الناس " يتعلق بقوله : أحق ، وفي بعضها بدل أن يستحيا منه أن يستتر منه ، وهو رواية السرخسي .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية