الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  189 ( وحدثنا موسى ، قال : حدثنا وهيب ، قال : مسح رأسه مرة ) .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  موسى هو ابن إسماعيل التبوذكي ، ووهب هو ابن خالد ، وتقدمت طريق موسى هذا في باب غسل الرجلين إلى الكعبين ، وذكر فيها أنه مسح الرأس مرة واحدة .

                                                                                                                                                                                  وقال ابن بطال : قال الشافعي : المسنون ثلاث مسحات ، والحجة عليه أن المسنون يحتاج إلى شرع ، وحديث عثمان رضي الله عنه وإن كان فيه : توضأ ثلاثا ثلاثا ، وفيه : أنه مسح برأسه مرة ، وهو قول الشافعي .

                                                                                                                                                                                  وقال الكرماني : الشرع الذي قال الشافعي في مسنونية الثلاث ما روى أبو داود في ( سننه ) أنه عليه الصلاة والسلام مسح ثلاثا ، والقياس على سائر الأعضاء .

                                                                                                                                                                                  قلت : روى أبو داود ، حدثنا هارون بن عبد الله قال : حدثنا يحيى بن آدم ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن عامر ، عن شقيق بن حمزة ، عن شقيق بن سلمة ، قال : رأيت عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه غسل ذراعيه ثلاثا ، ومسح رأسه ثلاثا ، ثم قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل هذا .

                                                                                                                                                                                  قلت : المذكور من حديث الجماعة هو مسح الرأس مرة واحدة ، ولهذا قال أبو داود في ( سننه ) : أحاديث عثمان الصحاح تدل على أن مسح الرأس مرة ، فإنهم ذكروا الوضوء ثلاثا ، [ ص: 82 ] وقالوا فيها مسح رأسه ، ولم يذكروا عددا كما ذكروا في غيره ، ووصف عبد الله بن زيد وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال : مسح برأسه مرة واحدة . متفق عليه ، وحديث علي رضي الله تعالى عنه ، وفيه : مسح رأسه مرة واحدة .

                                                                                                                                                                                  وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، وكذا وصف عبد الله بن أبي أوفى ، وابن عباس ، وسلمة بن الأكوع ، والربيع ، كلهم قالوا : ومسح برأسه مرة واحدة ، ولم يصح في أحاديثهم شيء صريح في تكرار المسح .

                                                                                                                                                                                  وقال البيهقي : قد روي من أوجه غريبة ، عن عثمان - ذكر التكرار في مسح الرأس إلا أنها مع خلاف الحفاظ الثقات ليست بحجة عند أهل المعرفة ، وإن كان بعض أصحابنا يحتج بها .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : قد روى الدارقطني في ( سننه ) ، عن محمد بن محمود الواسطي ، عن شعيب بن أيوب ، عن أبي يحيى الحماني ، عن أبي حنيفة ، عن خالد بن علقمة ، عن عبد خير ، عن علي رضي الله تعالى عنه : أنه توضأ . . الحديث ، وفيه : ومسح برأسه ثلاثا ، ثم قال : هكذا رواه أبو حنيفة ، عن علقمة بن خالد ، وخالفه جماعة من الحفاظ الثقات ، عن خالد بن علقمة ، فقالوا فيه : ومسح رأسه مرة واحدة ، ومع خلافه إياهم ، قال : إن السنة في الوضوء مسح الرأس مرة واحدة .

                                                                                                                                                                                  قلت : الزيادة عن الثقة مقبولة ، ولا سيما من مثل أبي حنيفة رضي الله عنه ، وأما قوله : فقد خالف في حكم المسح - غير صحيح ; لأن تكرار المسح مسنون عن أبي حنيفة أيضا ، صرح بذلك صاحب ( الهداية ) ، ولكن بماء واحد .

                                                                                                                                                                                  وقول الكرماني : والقياس على سائر الأعضاء - رد بأن المسح مبني على التخفيف بخلاف الغسل ، ولو شرع التكرار لصار صورة المغسول ، وقد اتفق على كراهة غسل الرأس بدل المسح ، وإن كان مجزيا ، وأجيب بأن الخفة تقتضي عدم الاستيعاب ، وهو مشروع بالاتفاق ، فليكن العدد كذلك ، ورد بالحديث المشهور الذي رواه ابن خزيمة ، وصححه ، وغيره أيضا : من طريق عبد الله بن عمرو بن العاص في صفة الوضوء ، حيث قال : قال النبي عليه الصلاة والسلام بعد أن فرغ : من زاد على هذا فقد أساء وظلم . فإن في رواية سعيد بن منصور التصريح بأنه مسح رأسه مرة واحدة ، فدل على أن الزيادة في مسح الرأس على المرة غير مستحبة ، ويحمل ما روي من الأحاديث في تثليث المسح إن صحت على إرادة الاستيعاب بالمسح ، لا أنها مسحات مستقلة لجميع الرأس ، جمعا بين هذه الأدلة ، القائل بهذا الرد هو بعضهم ممن تصدى لشرح البخاري ، وفيه نظر ; لأن الثلاث نص فيه ، والاستيعاب بالمسح لا يتوقف على العدد ، والصواب أن يقال : الحديث الذي فيه المسح ثلاثا لا يقاوم الأحاديث التي فيها المسح مرة واحدة ، ولذلك قال الترمذي : والعمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم .

                                                                                                                                                                                  وقال أبو عمر بن عبد البر : كلهم يقول مسح الرأس مسحة واحدة .

                                                                                                                                                                                  فإن قلت : هذا الذي ذكرته يرد على أبي حنيفه ؟ قلت : لا يرد أصلا ، فإنه رأى التثليث سنة لكونه رواه ، ولكنه شرط أن يكون بماء واحد ، وهذا خلاف ما قاله الشافعي رحمه الله ، ومع هذا المذهب الإفراد لا التثليث لما ذكرنا .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية