الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  292 3 - حدثنا إبراهيم بن موسى ، قال : أخبرنا هشام بن يوسف أن ابن جريج أخبرهم ، قال : أخبرني هشام عن عروة أنه سئل : أتخدمني الحائض أو تدنو مني المرأة وهي جنب ، فقال عروة : كل ذلك علي هين ، وكل ذلك تخدمني ، وليس على أحد في ذلك بأس ، أخبرتني عائشة أنها كانت ترجل تعني رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي حائض ورسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ مجاور في المسجد يدني لها رأسه ، وهي في حجرتها فترجله وهي حائض .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقة هذا الحديث للترجمة كمطابقة الحديث السابق .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) ، وهم ستة الأول إبراهيم بن موسى بن يزيد التميمي الرازي أبو إسحاق الفراء يعرف بالصغير ، وكان أحمد ينكر على من يقول له الصغير . وقال : هو كبير في العلم والجلالة . الثاني : هشام بن يوسف الصنعاني أبو عبد الرحمن قاضي صنعاء من أبناء الفرس ، وهو أكبر اليمانيين وأحفظهم وأتقنهم ، مات سنة سبع وتسعين ومائة ، الثالث ابن جريج بضم الجيم وفتح الراء ، واسمه عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي القريشي المدني ، أصله رومي ، وهو أحد العلماء المشهورين ، وهو أول من صنف في الإسلام في قول وكانت له كنيتان أبو الوليد وأبو خالد ، مات سنة خمسين ومائة ، وهو جاوز السبعين ، الرابع هشام بن عروة بن الزبير بن العوام ، الخامس عروة بن الزبير بن العوام ، السادسة عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله تعالى عنهما .

                                                                                                                                                                                  [ ص: 259 ] ( ذكر لطائف إسناده ) :

                                                                                                                                                                                  فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع ، وفيه الإخبار بصيغة الإفراد في أربعة مواضع غير أن في قوله : قال : أخبرني روي أخبرنا والأول أكثر ، وفيه العنعنة في موضع واحد ، وفيه القول في موضع واحد ، وفيه لطيفة حسنة ، وهي أن ابن جريج يروي عن هشام ، وهشام يروي عن ابن جريج ، فالأعلى ابن عروة ، والأدنى ابن يوسف ، وفيه أن رواته ما بين رازي وصنعاني ومكي ومدني .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( أنه سئل ) ، أي أن عروة سئل ، وهو على صيغة المجهول .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( أتخدمني الحائض ) ، الهمزة فيه للاستفهام ، قوله : ( أو تدنو ) ، أي أو تقرب .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( وهي جنب ) ، جملة اسمية وقعت حالا ، ولفظ جنب يستوي فيه المذكر والمؤنث ، والواحد والجمع ، وهي اللغة الفصيحة .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( كل ذلك ) ، إشارة إلى الخدمة والدنو واللذان يدلان عليهما لفظ : أتخدمني وتدنو ، وجاءت الإشارة بلفظ ذلك للمثنى ، قال الله تعالى : عوان بين ذلك .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( هين ) أي سهل ، وهو بالتشديد والتخفيف ، كميت وميت ، وأصله هيون ، اجتمعت الياء والواو ، وسبقت إحداهما بالسكون ، فقلبت الواو ياء ، وأدغمت الياء في الياء .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( وكل ذلك ) ، أي الحائض والجنب ، والتذكير باعتبار المذكور لفظا ، ووجه التثنية قد ذكرناه .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( وليس على أحد في ذلك بأس ) ، أي حرج ، وكان مقتضى الظاهر أن يقول : وليس علي في ذلك بأس ، لكنه قصد بذلك التعميم مبالغة فيه ، ودخل هو فيه بالقصد الأول .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( ترجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( وهي حائض ) ، جملة حالية ، وإنما لم يقل : حائضة لعدم الالتباس ، وأما قولهم : جاء الحاملة والمرضعة في الاستعمال فلإرادة التباسهما بتلك الصفة بالفعل ، فإذا أريد التباسهما بالقوة يكون بلا تاء . قال الزمخشري في قوله تعالى : يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت فإن قلت : لم قيل مرضعة دون مرضع ؟ قلت : المرضعة التي هي في حال الإرضاع تلقم ثديها الصبي ، والمرضع التي من شأنها أن ترضع ، وإن لم تباشر الإرضاع في حال وصفها به .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( حينئذ ) ، أي : حين الترجيل .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( مجاور ) أي معتكف .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( يدني ) بضم الياء ، أي : يقرب لها ، أي لعائشة رأسه ، والحال أنها في حجرتها ، وكانت حجرتها ملاصقة للمسجد ، والحجرة بضم الحاء البيت .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( فترجله ) ، أي ترجل عائشة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ، أي : ترجل شعر رأسه ، والحال أنها حائض .

                                                                                                                                                                                  والحديث دل على جواز خدمة الحائض فقط ، وأما دلالته على دنو الجنب فبالقياس عليها ، والجامع اشتراكهما في الحدث الأكبر ، وهو من باب القياس الجلي ، لأن الحكم بالفرع أولى لأن الاستقذار من الحائض أكثر .

                                                                                                                                                                                  ومما يستنبط من الحديث : أن المعتكف إذا خرج رأسه أو يده أو رجله من المسجد لم يبطل اعتكافه ، وأن من حلف لا يدخل دارا أو لا يخرج منها فأدخل بعضه أو أخرج بعضه لا يحنث ، وفيه جواز استخدام الزوجة في الغسل ونحوه برضاها ، وأما بغير رضاها فلا يجوز لأن عليها تمكين الزوج من نفسها وملازمة بيته فقط . وقال ابن بطال ، وهو حجة على طهارة الحائض وجواز مباشرتها ، وفيه دليل على أن المباشرة التي قال الله تعالى : ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد لم يرد بها كل ما وقع عليه اسم المس ، وإنما أراد بها الجماع أو ما دونه من الدواعي للذة ، وفيه ترجيل الشعر للرجال وما في معناه من الزينة ، وفيه أن الحائض لا تدخل المسجد تنزيها له وتعظيما ، وهو المشهور من مذهب مالك . وحكى ابن سلمة أنها تدخل هي والجنب ، وفي رواية يدخل الجنب ولا تدخل الحائض . وقال ابن بطال : وفيه حجة على الشافعي في أن المباشرة الخفيفة مثل ما في هذا الحديث لا تنقض الوضوء . وقال الكرماني : ليس فيه حجة على الشافعي ، إذ هو لا يقول بأن مس الشعر ناقض للوضوء . وقال بعضهم : ولا حجة فيه لأن الاعتكاف لا يشترط فيه الوضوء ، وليس في الحديث أنه عقب ذلك الفعل بالصلاة ، وعلى تقدير ذاك فمس الشعر لا ينقض الوضوء . قلت : وليس في الحديث أيضا أنه توضأ عقيب ذلك ، والله أعلم بالصواب .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية