الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  178 44 - حدثنا إسحاق هو ابن منصور ، قال: أخبرنا النضر ، قال: أخبرنا شعبة ، عن الحكم ، عن ذكوان أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إلى رجل من الأنصار فجاء ورأسه يقطر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لعلنا أعجلناك فقال: نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أعجلت أو قحطت فعليك الوضوء.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  هذا الحديث لا يناسب ترجمة الباب إلا أن بعض الشراح قال: أقل حال هذا الحديث حصول المذي لمن جامع ولم يمن، فصدق عليه وجوب الوضوء من الخارج من أحد السبيلين، ولكن يعكر عليه إجماع أهل العلم وأئمة الفتوى على وجوب الغسل من مجاوزة الختان الختان لأمر الشارع بذلك، وهو زيادة على ما في هذا الحديث فيجب الأخذ بها.

                                                                                                                                                                                  ( بيان رجاله ) وهم ستة: الأول إسحاق بن منصور، هذه رواية الأصيلي، وفي رواية كريمة وغيرها إسحاق كذا بلا ذكر منصور، وفي رواية أبي ذر حدثنا إسحاق بن منصور بن بهرام بفتح الباء الموحدة، وهو المعروف بالكوسج المروزي، مر في باب فضل من علم وهو الأصح نص عليه أبو نعيم رحمه الله في المستخرج . الثاني النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن شميل بضم الشين المعجمة أبو الحسن المازني البصري، تقدم في آخر باب حمل العنزة في الاستنجاء. الثالث شعبة بن الحجاج . الرابع الحكم بفتح الحاء المهملة وفتح الكاف، ابن عتيبة تصغير عتبة، الباب تقدم في باب السمر بالعلم. الخامس أبو صالح ذكوان الزيات المدني تقدم في باب أمور الإيمان وغيره. السادس أبو سعيد الخدري سعد بن مالك الأنصاري.

                                                                                                                                                                                  ( بيان لطائف إسناده ) منها أن فيه التحديث والعنعنة والإخبار . ومنها أن رواته ما بين مروزي وبصري وواسطي وكوفي ومدني .

                                                                                                                                                                                  ( بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) ليس له تعدد، وأخرجه مسلم في الطهارة أيضا عن أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى ومحمد بن بشار، ثلاثتهم عن غندر، عن شعبة به، وأخرجه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة وابن بشار به.

                                                                                                                                                                                  [ ص: 58 ] ( بيان المعنى والإعراب ) قوله: أرسل إلى رجل من الأنصار ولمسلم وغيره مر على رجل فيحمل على أنه مر به، فأرسل إليه وسمى مسلم هذا الرجل في روايته من طريق أخرى، عن أبي سعيد عتبان بكسر العين المهملة وسكون التاء المثناة من فوق بعدها باء موحدة، ولفظه من رواية شريك بن أبي نمر، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه قال: خرجت مع النبي عليه الصلاة والسلام إلى قباء حتى إذا كنا في بني سالم وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب عتبان فخرج يجر إزاره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أعجلنا الرجل. فذكر الحديث بمعناه وعتبان المذكور هو ابن مالك الأنصاري الخزرجي السالمي البدري وإن لم يذكره ابن إسحاق فيهم، وكذا نسبه بقي بن مخلد في روايته لهذا الحديث من هذا الوجه، ووقع في رواية في صحيح أبي عوانة ، أنه ابن عتبة والأول أصح، ورواه ابن إسحاق في المغازي ، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه، عن جده لكنه قال: فهتف برجل من أصحابه يقال له صالح، فإن حمل على تعدد الوقعة وإلا فطريق مسلم أصح، وقد وقعت القصة أيضا لرافع بن خديج وغيره أخرجه أحمد وغيره، ولكن الأقرب في تفسير المبهم الذي في البخاري أنه عتبان والله أعلم.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فجاء" أي الرجل المدعو. قوله: "ورأسه يقطر" جملة اسمية وقعت حالا من الضمير الذي في جاء، ومعنى يقطر ينزل من الماء قطرة قطرة من أثر الاغتسال، وإسناد القطر إلى الرأس مجاز من قبيل سال الوادي. قوله: "لعلنا" كلمة لعل هنا لإفادة التحقيق فمعناه قد أعجلناك. وقوله: "فقال نعم" مقرر له، ولا يمكن أن يكون لعل هنا على بابه للترجي، والترجي لا يحتاج إلى جواب، وهنا قد أجاب الرجل بقوله نعم، وأعجلناك من الإعجال يقال: أعجله إعجالا وعجله تعجيلا إذا استحثه، ومعناه أعجلناك عن فراغ شغلك وحاجتك عن الجماع.

                                                                                                                                                                                  قوله: إذا أعجلت على بناء المجهول وفي أصل أبي ذر "إذا عجلت" بفتح العين وكسر الجيم المخففة، وفي رواية "إذا عجلت" بالتشديد على صيغة المجهول. قوله: "أو قحطت" بضم القاف وكسر الحاء المهملة.

                                                                                                                                                                                  قال ابن الجوزي : أصحاب الحديث يقولون: قحطت بفتح القاف، وقال لنا شيخنا عبد الله بن أحمد النحوي: الصواب ضم القاف، وفي صحيح مسلم ، أقحطت بفتح الهمزة والحاء، وفي رواية ابن بشار بضم الهمزة وكسر الحاء والروايتان صحيحتان، ومعنى الإقحاط هنا عدم الإنزال في الجماع وهو استعارة من قحوط المطر وهو انحباسه، وقحوط الأرض وهو عدم إخراجها النبات.

                                                                                                                                                                                  وحكى الفراء قحط المطر بالكسر، وفي المحكم الفتح أعلى وقحط الناس بالكسر لا غير وأقحطوا، وكرهها بعضهم ولا يقال: قحطوا ولا أقحطوا، وحكى أبو حنيفة قحط القوم، وفي أمالي الهجري أقحط الناس، وقال التميمي: وقع في الكتاب قحطت والمشهور أقحطت بالألف يقال للذي أعجل في الإنزال في الجماع ففارق ولم ينزل الماء، أو جامع فلم يأته الماء أقحط.

                                                                                                                                                                                  قال الكرماني : فعلى هذا التقدير لا يكون لقوله أعجلت فائدة، اللهم إلا أن يقال: إنه من باب عطف العام على الخاص، فإن قلت : كلمة أو ، ما معناها ها هنا ، هل هو شك من الراوي أو تنويع الحكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ .

                                                                                                                                                                                  قلت: الظاهر أنه من كلامه عليه الصلاة والسلام، ومراده بيان أن عدم الإنزال سواء كان بأمر خارج عن ذات الشخص أو كان من ذاته لا فرق بينهما في الحكم في أن الوضوء عليه فيهما.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فعليك الوضوء" يجوز في الوضوء الرفع والنصب، أما الرفع فعلى أنه مبتدأ وخبره قوله: "عليك"، والنصب على أنه مفعول عليك; لأنه اسم فعل نحو عليك زيدا، ومعناه فالزم الوضوء.

                                                                                                                                                                                  ( بيان استنباط الأحكام ) الأول فيه جواز الأخذ بالقرائن; لأن الصحابي لما أبطأ عن الإجابة مدة الاغتسال خالف المعهود منه، وهو سرعة الإجابة للنبي عليه الصلاة والسلام، فلما رأى عليه أثر الغسل دل على أنه كان مشغولا بجماع.

                                                                                                                                                                                  الثاني يستحب الدوام على الطهارة لكون النبي عليه الصلاة والسلام لم ينكر عليه تأخير إجابته، وكأن ذلك كان قبل إيجابها إذ الواجب لا يؤخر للمستحب.

                                                                                                                                                                                  الثالث أن هذا الحكم منسوخ ولم يقل بعدم نسخه إلا من روى عن هشام بن عروة والأعمش، وسفيان بن عيينة وداود، وادعى القاضي عياض أنه لا يعلم من قال به بعد خلاف الصحابة إلا الأعمش وداود.

                                                                                                                                                                                  وقال النووي : اعلم أن الأمة مجمعة الآن على وجوب الغسل بالجماع وإن لم يكن معه إنزال، وعلى وجوبه بالإنزال، وكانت جماعة من الصحابة على أنه لا يجب إلا بالإنزال ، ثم رجع بعضهم وانعقد الإجماع بعد الآخرين، وفي المحلى ، وممن رأى أن لا غسل من الإيلاج في الفرج إن لم يكن إنزال عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود ورافع بن خديج، وأبو سعيد الخدري وأبي بن كعب وأبو أيوب الأنصاري، وابن عباس والنعمان بن [ ص: 59 ] بشير وزيد بن ثابت وجمهور الأنصار، وعطاء بن أبي رباح وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وهشام بن عروة والأعمش وبعض أصحاب الظاهر.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن حزم : وروي إيجاب الغسل عن عائشة أم المؤمنين وأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وابن عمر وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب وابن مسعود وابن عباس والمهاجرين، قلت: وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي، وأحمد وأصحابهم، وبعض أصحاب الظاهر والنخعي والثوري .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية