الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  296 7 - حدثنا إسماعيل بن خليل ، قال : أخبرنا علي بن مسهر ، قال : أخبرنا أبو إسحاق هو الشيباني ، عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عائشة قالت : كانت إحدانا إذا كانت حائضا فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباشرها أمرها أن تتزر في فور حيضتها ، ثم يباشرها ، قالت : وأيكم يملك إربه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يملك إربه ؟ .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) وهم ستة : الأول إسماعيل بن خليل ، أبو عبد الله الكوفي الخزاز بالخاء المعجمة والزايين المعجمتين ، أولاهما مشددة ، قال البخاري : جاءنا نعيه سنة خمس وعشرين ومائتين . الثاني : علي بن مسهر بضم الميم وسكون السين المهملة وكسر الهاء وبالراء : أبو الحسن القرشي الكوفي ، مات سنة تسع وثمانين ومائة . الثالث أبو إسحاق الشيباني : سليمان بن فيروز ، من مشاهير التابعين ، مات سنة إحدى وأربعين ومائة . الرابع عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد النخعي ، من خيار التابعين والعلماء العاملين ، مات سنة تسع وتسعين . الخامس أبوه الأسود بن يزيد ، وقد مر غير مرة . السادس عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) :

                                                                                                                                                                                  فيه خليل بدون الألف واللام في رواية أبي ذر وكريمة ، وفي رواية غيرهما : الخليل بالألف واللام ، فإن قلت : هو علم فلا تدخله أداة التعريف ، قلت : إذا قصد به لمح الصفة يجوز كما في العباس والحارث ونحوهما ، وفيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد ، والإخبار بصيغة الجمع في موضعين ، وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع ، وفيه قوله هو الشيباني ، أشار إلى أنه تعريف له من تلقاء نفسه ، وليس من كلام شيخه ، وفيه أن رواته كلهم إلى عائشة كوفيون ، وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر من أخرجه غيره ) :أخرجه مسلم في الطهارة عن أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن حجر ، وأخرجه أبو داود فيه عن عثمان بن أبي شيبة ، عن جرير ، وأخرجه ابن ماجه فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة به ، وعن أبي سلمة يحيى بن خلف .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) :

                                                                                                                                                                                  قولها : ( كانت إحدانا ) أرادت إحدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي رواية مسلم : ( كان إحدانا ) بدون التاء . وحكى سيبويه في كتابه أنه قال : بعض العرب قال امرأة .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( أن يباشرها ) من المباشرة التي هي أن يمس الجلد الجلد ، وليس المراد به الجماع ، كما ذكرنا فيما مضى .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( أن تتزر ) قد ذكرنا أن اللغة الفصحى يأتزر بالهمزة بلا إدغام .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( في فور حيضتها ) بفتح الفاء وسكون الواو ، وفي آخره راء ، وأرادت به معظم حيضتها ووقت كثرتها . وقال الجوهري : فورة الحر شدته ، وفار القدر فورا إذا جاشت ، وحيضتها بفتح الحاء لا غير .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( إربه ) بكسر الهمزة وسكون الراء وبالباء الموحدة . قيل : المراد عضوه الذي يستمتع به ، وقيل : حاجته ، وفي كتاب ( المنتهى ) فيه لغات إرب وإربة وأراب ومأربة ومأربة ومأربة عن أبي سلمة ، وفي الحديث : ولكنه ( أملككم لإربه ) قال الأصمعي : هي الحاجة أي أضبطكم لشهوته . وقال ابن الأعرابي : أي لحزمه وضبط نفسه ، وقد أرب يأرب إربا ، إذا احتاج يقال : إن فلانا لأرب بفلانة ، إذا كان ذا هم بها ، ويشهد لقول ابن الأعرابي ما جاء في بعض الروايات : ( أملككم لنفسه ) ، وفي المحكم والجامع والمأرب وهي الإراب والأرب . وقال الخطابي : وأكثر الرواة يقولون : لإربه ، والإرب العضو ، وإنما هو الأرب [ ص: 268 ] مفتوحة الراء وهي الوطء وحاجة النفس ، وقد يكون الإرب الحاجة أيضا ، والأول أميز ، وكذا حكاه صاحب ( الواعي )، وأما ابن سيده وابن عديس في كتاب ( الباهر ) فقالا : الإرب بكسر الهمزة جمع إربة وهي الحاجة . وقال أبو جعفر النحاس : أخطأ من رواه بكسر الهمزة . قال : وإنما هي بفتحها ، وفي مجمع الغرائب لعبد الغافر : هو في الكلام معروف الإرب والإربة بمعنى الحاجة ، فإن كان الأول محفوظا يعني في حديث عائشة ففيه ثلاث لغات : الإرب والإرب والإربة ، والإرب يكون بمعنى العضو فيحتمل أنها أرادت : كان أملككم لعضوه لأنها ذكرت التقبيل في الصوم ، وفي المغيث لأبي موسى : أرب في الشيء رغب فيه .

                                                                                                                                                                                  والحاصل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أملك الناس لأمره ، فلا يخشى عليه ما يخشى على غيره ممن يحوم حول الحمى ، وكان يباشر فوق الإزار تشريعا لغيره .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر استنباط الأحكام ) :

                                                                                                                                                                                  منها : جواز مباشرة الحائض فيما فوق الإزار ، وقد مر الكلام فيه مستوفى .

                                                                                                                                                                                  ومنها : أن الحائض لا بد لها من الاتزار في أيام حيضها ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عائشة بذلك ، وذلك لتمتنع المرأة به عن الجماع ، وروى أبو داود عن ميمونة رضي الله تعالى عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يباشر المرأة من نسائه وهي حائض ، إذا كان عليها إزار إلى أنصاف الفخذ أو الركبتين تحتجز به ، أي تمتنع المرأة به ، أي بالإزارعن الجماع ، وفي رواية : محتجزة به ، أي : حال كون المرأة ممتنعة به عن الجماع ، وأصله من حجزه يحجزه حجزا ، أي : منعه من باب نصر ينصر ، ومنه الحاجز بين الشيئين ، وهو الحائل بينهما .

                                                                                                                                                                                  ومنها : أن هذه المباشرة إنما تجوز له إذا كان يضبط نفسه ، ويمنعها من الوقوع في الجماع ، وإن كان لا يملك ذلك فلا يجوز له ذلك ; لأن من رعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه ، وعليه بعض الشافعية ، واستحسنه النووي .

                                                                                                                                                                                  ومنها : أن التقييد بقولها : في فور حيضتها ، يدل على الفرق بين ابتداء الحيض وما بعده ، ويشهد لذلك ما رواه ابن ماجه في سننه بإسناد حسن ، عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها : أنه صلى الله عليه وسلم كان يتقي سورة الدم ثلاثا ، ثم يباشرها بعد ذلك ، ولا منافاة بينه وبين الأحاديث الدالة على المباشرة مطلقا ; لأنها تجمع بينها على اختلاف الحالتين ، والله تعالى أعلم .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية