الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
قال: "وأخرى: أنه قد عقل كل ذي عقل ورأي أن القول لا يتحول صورة له لسان وفم، ينطق ويشفع، فحين اتفقت المعرفة من المسلمين أن ذلك كذلك علموا أن ذلك [ ص: 200 ] ثواب يصوره الله تعالى بقدرته صورة رجل يبشر به المؤمنين؛ لأنه لو كان [للقرآن] صورة كصورة الإنسان لم يتشعب أكثر من ألف ألف صورة، فيأتي أكثر من ألف ألف شافعا وماحلا؛ لأن الصورة الواحدة إذ هي [أتت] واحدا زالت عن غيره، فهذا معقول لا يجهله إلا كل جهول".

قال: "وهذا كحديث الأعمش، عن المنهال، عن زاذان، عن البراء بن عازب، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن الرجل إذا مات تأتيه أعماله الصالحة في صورة رجل في أحسن هيئة، وأحسن لباس، وأطيب ريح، فيقول له: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الصالح، كان حسنا، فكذلك تراني [ ص: 201 ] حسنا، وإن كان طيبا تراه طيبا، وكذلك العمل السيئ يأتي صاحبه فيقول له: مثل ذلك، ويبشره بعذاب الله".

قال: "وإنما عملهما الصلاة، والزكاة، والصيام، وما [أشبهها] من الأعمال الصالحة، وعمل الآخر الزنا، والربا، وقتل النفس بغير حقها، وما [أشبهها] من المعاصي، قد اضمحلت وذهبت في الدنيا، فيصور الله بقدرته للمؤمن والفاجر ثوابها، وعقابها، يبشرهما به، إكراما للمؤمنين وحسرة على الكافرين.

وهذا المعنى أوضح من الشمس، وقد علمتم ذلك -إن شاء الله تعالى- ولكن تغالطون وتدلسون، وعليكم أوزاركم وأوزار من تضلون" وقال [ ص: 202 ] الخلال في كتاب (السنة): أخبرني محمد بن عبد الله بن إبراهيم، حدثني أبو جعفر قال: كان رجل يأتي أبا عبيد، قال: فسأله عن الحديث الذي يروى فيه: أن البقرة وآل عمران تأتي يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان. أليس ذلك يدلك على أن هذا مخلوق؟ فقال أبو عبيد: إن إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا عن علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن [ ص: 203 ] كعب قال: لو رأى أحدكم ثواب ركعتين لرأى أعظم من الجبال الراسيات وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ظل المؤمن صدقته يوم القيامة" فيجيء ديناره ودرهمه يظله، إنما هذا ثواب ذلك، وقال الله تعالى: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها [الأنعام:160] ومن أكبر الحسنات أن يقول الرجل: لا إله إلا الله، فإذا قال لا إله إلا الله، يقال له يوم القيامة لا إله إلا الله عشر مرات، إنما هذا ثواب ذلك. قال: "ولم نر العرب تدفع في طبعها أن يقول الرجل للرجل: [ ص: 204 ] [لأوفينك] ما عملت، ليس أنه يريد نفس ما عمل، إنما يعده على الطاعة الثواب، ويتوعده على المعاصي العقاب، وإنما معنى مجيء البقرة وآل عمران إنما يعني ثوابهما".

التالي السابق


الخدمات العلمية