الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما قوله: ونحن أقرب إليه من حبل الوريد [ق: 16]، وقوله: "كل عاقل يعلم أن المراد منه القرب بالعلم والقدرة الإلهية" فليس الأمر كما ادعاه من هذا العموم والإجماع؛ وذلك أنه سبحانه قال: ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد [ق: 16]، وهل المراد بذلك [ ص: 26 ] الملائكة أو العلم أو كلاهما.

قال أبو عمر الطلمنكي: ومن سأل عن قوله: [ ص: 27 ] ونحن أقرب إليه من حبل الوريد [ق: 16] فاعلم أن ذلك كله على معنى العلم والقدرة عليه. قال: والدليل على ذلك صدر الآية، قال الله تعالى: ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد [ق: 16]، (لأن الله لما كان عالما بوسوسته كان أقرب إليه من حبل الوريد) وحبل الوريد ما يعلم ما توسوس به النفس، ويلزم الملحد على اعتقاده أن يكون معبوده مخالطا لدم الإنسان ولحمه، وأن لا يجرد الإنسان تسمية المخلوق حتى يقول: خالق ومخلوق. لأن معبوده –بزعمه- داخل حبل الوريد من الإنسان وخارجه، فهو على قوله ممتزج به، غير مباين له.

قال: "وقد أجمع المسلمون من أهل السنة على أن الله على عرشه بائن من خلقه" تعالى الله عن قول أهل الزيغ علوا [ ص: 28 ] كبيرا.

قال: "وكذلك الجواب في قوله فيمن يحضره الموت: ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون [الواقعة: 85] أي: بالعلم به والقدرة عليه. إذ لا يقدرون له على حيلة، ولا يدفعون عنه، وقد قال الله تعالى: توفته رسلنا وهم لا يفرطون [الأنعام:61]، وقال: قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم [السجدة: 11]، انتهى كلامه.

وهكذا ذكر غير واحد من المفسرين، مثل: الثعلبي، [ ص: 29 ] وأبي الفرج ابن الجوزي، وغيرهما في قوله تعالى: ونحن أقرب إليه من حبل الوريد [ق: 16] وفي قوله تعالى: ونحن أقرب إليه منكم [الواقعة: 85] فذكر أبو الفرج القولين إنهم الملائكة. وذكره عن أبي صالح، عن ابن عباس، [ ص: 30 ] وأنه القرب بالعلم.

وهؤلاء كلهم مقصودهم أنه ليس المراد أن ذات الباري (جل وعلا) قريبة من وريد العبد، ومن الميت، ولما ظنوا أن المراد قربه وحده دون الملائكة فسروا ذلك بالعلم والقدرة، كما في لفظ المعية، ولا حاجة إلى هذا، فإن المراد بقوله: ونحن أقرب إليه منكم [الواقعة: 85] أي: بملائكتنا في الآيتين.

وهذا بخلاف لفظ المعية، فإنه لم يقل: ونحن معه. بل جعل نفسه هو الذي مع العباد، وأخبر أنه ينبئهم بما عملوا يوم القيامة، وهو نفسه الذي خلق السموات والأرض، وهو نفسه الذي استوى على العرش. وتفسير قربه –سبحانه- [ ص: 31 ] بالعلم قاله جماعة من العلماء، لظنهم أن القرب في الآية هو قربه وحده. ففسروها بالعلم. ولما رأوا ذلك عاما، قالوا: هو قريب من كل موجود بمعنى العلم، وهذا لا يحتاج إليه كما تقدم.

التالي السابق


الخدمات العلمية