الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
فإن قيل: هذا تصريح بأن وجه الله يشبه وجه الإنسان، كما [ ص: 477 ] ورد: "صورة الإنسان على صورة الرحمن".

فالجواب: أن هذا –أيضا- لازم للمنازع، ولهذا أورده وأجاب عنه، فقال: "فإن قيل: المشاركة في صفات الكمال تقتضي المشاركة في الإلهية، قلنا: المشاركة في بعض اللوازم البعيدة مع حصول المخالفة في الأمور الكثيرة، لا تقتضي المشاركة في الإلهية".

قال: "ولهذا المعنى قال الله تعالى: وله المثل الأعلى [الروم: 27] وقال صلى الله عليه وسلم: "تخلقوا بأخلاق الله".

ومن المعلوم أن المشابهة هي المشاركة في صفات الكمال التي هي العلم والقدرة أعظم من المشابهة والمشاركة في مجرد مسمى الوجه.

وأيضا: فهذا المؤسس قد ذكر في أجل كتبه الذي سماه (نهاية العقول في دراية الأصول) في مسألة تكفير المخالفين [ ص: 478 ] من أهل القبلة، في حجة من كفر المشبهة، قال: "ورابعها: أن الأمة مجمعة على أن [المشبه كافر] ثم المشبه لا يخلو: إما أن يكون هو الذي يذهب إلى كون الله مشبها بخلقه من كل الوجوه، أو ليس [كذلك]. والأول باطل؛ لأن أحدا من العقلاء لم يذهب إلى ذلك، ولا يجوز أن يجمعوا على تكفير من لا وجود له، بل المشبه [هو] الذي يثبت الإله تعالى على صفة [يشبهه] معها بخلقه، والمجسم كذلك، لأنه إذا أثبته جسما مخصوصا [لحيز] معين فإنه يشبهه بالأجسام المحدثة، فثبت أن المجسم مشبه، وكل مشبه كافر بالإجماع، [ ص: 479 ] فالمجسم كافر".

ثم قال -في الجواب عن ذلك، لأنه نصر عدم تكفير أهل القبلة: "قوله: المجسم مشبه والمشبه كافر، قلنا: إن عنيتم [بالمشبه] من يكون قائلا بكون الله شبيها بخلقه من كل الوجوه، فلا شك في كفره، لكن المجسمة لا يقولون بذلك، فلا يلزم قولهم بالتجسيم قولهم بذلك، ألا ترى أن الشمس والقمر، والنمل والبق أجسام، ولا [يلزم من] اعترافنا باشتراكهما في الجسمية كوننا مشبهين للشمس والقمر، بالنمل والبق، وإن عنيتم بالمشبهة من يقول بكون الله شبيها بخلقه من بعض الوجوه. فهذا لا يقتضي الكفر، لأن المسلمين اتفقوا على أنه موجود، وشيء، وعالم، وقادر، والحيوانات –أيضا- كذلك، وذلك لا يوجب الكفر، وإن عنيتم بالمشبه من يقول: الإله جسم مختص بالمكان. فلا نسلم انعقاد الإجماع [ ص: 480 ] على تكفير من يقول بذلك، بل هو دعوى للإجماع في محل النزاع فلا يلتفت إليه".

وهذا تصريح [منه] بأن القول بكون الله شبيها بخلقه من بعض الوجوه داخل في قول كل المسلمين، ولا ريب أن كل موجودين فلا بد أن يتفقا في شيء يشتركان فيه، وإن كان أحدهما أكمل فيه وأولى به من الآخر، وإلا فإذا قدر أنهما لا يتفقان في شيء أصلا، ولا يشتركان فيه، لم يكونا موجودين، وهذا معلوم بالفطرة البديهية التي لا يتنازع فيها العقلاء الذين يفهمونها، وهذا الكلام قد نبهنا عليه غير مرة في هذا، وفي (الأجوبة المصرية)، وفي (جواب المسألة الصرخدية) وغير ذلك، في بيان شبهة التركيب والتجسيم، وشبهة التشبيه، والاتفاق والاشتراك بين الموجودين يكون في مراتب الوجود الأربعة:

[ ص: 481 ] الحقيقي الخارجي العيني. إذا كان هذا [موجودا ثابتا] وهذا موجود ثابت وهذا قائم بنفسه، وهذا موصوف بالصفات وهذا موصوف بالصفات، وهذا متميز من غيره باين منه، وهذا متميز عن غيره باين منه، وهذا حي وهذا حي، وهذا عليم وهذا عليم، وهذا قدير وهذا قدير، وهذا سميع وهذا سميع، وهذا بصير وهذا بصير، وهذا رؤوف رحيم وهذا رؤوف رحيم، وهذا عظيم كبير وهذا عظيم كبير، وهذا صمد وهذا صمد، وهذا واحد وهذا واحد.

التالي السابق


الخدمات العلمية