الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 326 ] وفي الضحك أحاديث أخر صحيحة لم يذكرها مثل ما في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر، كلاهما يدخل الجنة، يقتل أحدهما في سبيل الله، ثم يتوب الله على القاتل فيستشهد في سبيل الله". [ ص: 328 ] والمقصود: أن هذا التأويل الذي ذكره، مما يعلم بالضرورة من له أدنى عقل وعلم باللغة أنه باطل، فإن قوله: " المصدر كما تحسن إضافته إلى المفعول، فكذلك تحسن إضافته إلى الفاعل" إنما يصح في مصدر الفعل المتعدي مثل ضرب، وقتل، وأكل، وأضحك، وأبكى، وأمات، وأحيا، فإنه يقال: أكل زيد فأعجبني أكل الطعام، كما تقول أعجبني إبكاء هذا الفاجر، وأعجبني إضحاك هذا المؤمن، أو إضحاك الله، فأما [ضحك] ففعل لازم لا يتصور أن يضاف مصدره إلى مفعول. فضحك مثل فرح، وعجب، وحزن، وطرب، فإذا قيل: أعجبني ضحك زيد، أو بكاؤه، أو فرحه، أو حزنه، أو طربه، أو عجبه، لم يتصور أن يكون في هذا الكلام مفعول هو المضحك والمبكى، والمفرح، والمحزن، وهذا واضح لا خفاء به.

ثم إن هذا التأويل مع ظهور فساده بالضرورة فهو متناقض في نفسه تناقضا معلوما بالضرورة أيضا.

[ ص: 329 ] وفيه إثبات ما يعلم بطلانه بالحس. فإنه قال: "فقوله "ضحكت من ضحك الرب" أي: من الضحك الحاصل في ذاتي، بسبب أن الرب تعالى خلق ذلك الضحك" فالكلام يقتضي ضحكين: ضحكه، والضحك الذي ضحك منه، وجعل نفسه ضاحكا من ضحك نفسه، حيث قال: "ضحكت من الضحك الحاصل في ذاتي" فجعل في ذاته ضحكين: أحدهما: ضحك، والثاني: مضحوك منه، وهذا خلاف المحسوس.

ثم لو كان كذلك فمن أي وجه يكون أحدهما مضحوكا منه دون الآخر، وكلاهما خلق الله تعالى؟! ولكن من استدل على أن الله لا يضحك بأنه أضحك وأبكى، كانت تلك الحجة في رد معنى النص من جنس هذا التأويل للنص، فإن طرد هذا الدليل الذي ذكره أنه إذا علم غيره وجهله لم يكن عالما، وإذا أنطق غيره وأسكته لم يكن ناطقا، وإذا أسمع غيره وأصمه لم يكن سميعا، وإذا [أرى] غيره وأعماه لم يكن بصيرا، وإذا أحيا غيره وأماته لم يكن حيا، وإذا أرضى غيره وأسخطه لم يكن [ ص: 330 ] راضيا، ونظائره كثيرة. / 50 وكذلك نظير هذه الحجة احتجاجه بأنه إذا جاز عليه الضحك جاز عليه البكاء، حيث جعل صفات الكمال مستلزمة لثبوت نقائضها من صفات النقص فيلزم إذا جاز وصفه بالعلم أن يجوز وصفه بالجهل، وإذا جاز وصفه بالقدرة والسمع والبصر أن يجوز وصفه بالعجز والعمى والصمم، وإذا جاز وصفه بالفرح أن يجوز وصفه بالغم والحزن، وإذا جاز وصفه بالحياة أن يجوز وصفه بالموت، إلى نظائر ذلك.

وكذلك من جنس هذا التأويل قوله: "لو كان [ممن] يضحك لكان هذا القول مضحكا" فهل يسوغ في عقل عاقل أن يكون الرسول قد أخبر غير مرة أن الله يضحك مما ذكره ويقول ضحكت من ضحك رب العالمين، ومع هذا لا يكون لهذا الضحك وجود، إنما هو معدوم [متعذر] فإن جاز أن يخبر الرسول بوجود شيء ويكون معدوما زال الإيمان من عامة أخباره، وهذا اللفظ لا يحتمل هذا بوجه من الوجوه.

[ ص: 331 ] ثم إنه استدل على بطلان [اتصافه] بالضحك بأن الضحك يستلزم التعجب، والتعجب يستلزم الجهل بالسبب، وقد ذكر عقب هذا وصفه بالفرح، وأوله بالرضا.

قال: "ومن هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم: "عجب ربكم من شاب ليست له صبوة"، وفي حديث آخر: "عجب ربكم من ثلاثة" وذكرهم.

قال: "وقرئ: (بل عجبت ويسخرون) [الصافات: 12]، [ ص: 332 ] بضم التاء".

قال: "وذلك يدل على ثبوت هذا المعنى في حق الله تعالى".

التالي السابق


الخدمات العلمية