الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وبهذا أجاب من أخذ يورد على إثبات ذلك بظواهر الآيات والأحاديث وأظنه اتبع في ذلك أبا الحسين البصري، هذا مع [ ص: 345 ] قوله في السؤال: المتشابهات في القرآن الدالة على التشبيه والقدر ليست أقل ولا أضعف دلالة من الآيات الدالة على المعاد البدني. ثم إنكم تجوزون تأويل تلك الآيات فلم لا تجوزون -أيضا- تأويل الآيات الواردة هنا؟.

وهذا الذي قاله في ذلك يقوله أهل الإثبات في نصوص الصفات، فإن من علم ما جاء به من ذلك في الكتاب والسنة وتدبر ذلك علم بالاضطرار بطلان التأويل، وأن الرسل وصفت الرب بما ينافي مذهب النفاة.

وقد قال هو في جواب الفلاسفة لما قالوا له: إن في كتاب الله تعالى آيات كثيرة دالة على التشبيه والقدر وقد تأولتموها فقال: "[إنا] لم نتمسك بظواهر الآيات والأخبار حتى يلزمنا الجواب عن هذه المعارضة، بل بالأمر المعلوم بالضرورة من دين الأنبياء لم يقل أحد أنه علم دينهم [ ص: 346 ] [بظواهر] التشبيه والقدر فظهر الفرق".

وليس الأمر كما نفاه، بل عامة أهل الحديث والسنة، بل والعامة يعلمون من دينهم بالضرورة إثبات الصفات والقدر أيضا، وإذا كان في هذه التأويلات مما يعلم فساده بالضرورة ما لا يحصيه إلا الله، وهي أضعاف مضاعفة لما يدعي المدعي أنه لا بد من تأويله، فعند هذا يقول ذوو التأويل ومبطلوه قد ثبت بالدليل أن الله أنزل كتابه شفاء وهدى للناس، وقال فيه: هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين [آل عمران: 138]. وقال: إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون [يوسف: 2].

وثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم بلغ البلاغ المبين، كما أمر به، فإن الله أخبر أن عليه البلاغ المبين، وقال: عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم [الجن: 26-28] وقال: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس [المائدة: 67].

قالت عائشة: من زعم أن محمدا كتم الوحي فقد [ ص: 347 ] كذب.

وثبت أن رسولنا كان أعلم الناس بالله وبما يخبر به عن الله تعالى وكان أنصح الناس لأمته، وكان أفصح الناس، وأكملهم بيانا وإيضاحا، وإذا كان كذلك فمن المعلوم بالضرورة أنه إذا كان بهذه الحال لم يكن الكلام الذي أنزله الله إليه فيما يخبر به عن نفسه وعن خلقه والكلام الذي يخبر به الرسول عن ربه وعن خلقه مما ظاهره باطل وضلال وإفك، ولم يكن ذلك الكلام معارضا لما هو معلوم بالمعقول، ولم يكن ذلك الكلام مسلوب الدلالة والبيان، ولم يكن غير مستحق لإبلاغ العباد وإفهام المراد، ولا يكون المتبع لمعناه المتمسك بفحواه في [ ص: 348 ] ضلال، وفساد، ولا في كذب على الرسول في المراد، ولا يجوز أن يكون الرسول قد أحال المخاطبين في معرفة ما جاء به من الكتاب المبين على ما يحدثه بعض المظاهرين لمتابعته، بعد انقراض الخلفاء الراشدين وذهاب خير القرون.

التالي السابق


الخدمات العلمية