الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأيضا فإنه في سورة الأنعام إنما ذكر قبل هذه المشركين. قال تعالى: أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون [الأنعام: 156-158].

فقوله: "وهذا هو الجواب المعتمد عن تمسكهم بالآية المذكورة في سورة الأنعام". من أظهر الأمور فسادا بالضرورة عند أدنى تدبر للقرآن، فإن اليهود لم يجر لهم ذكر، بل جرى [ ص: 322 ] ذكر المشركين المكذبين بهذا كله، وهو أشبه بالجهمية الذين يقولون إن الله لا يأتي. ولهذا قال: انتظروا إنا منتظرون [الأنعام: 158]، فهو يهددهم ويتوعدهم بمجيء هذا الأمر الذي يكذبون به، كما في قوله تعالى: وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق [ص: 15].

وأيضا فالانتظار إما أن يقصده المرء -كما زعمه هذا المؤسس أن اليهود قصدوا انتظار إتيان الله في ظلل من الغمام في الدنيا- أو لا يقصده، كما لم يقصد المشركون انتظار ما وعد الله به يوم القيامة، وإتيان الله والملائكة، وغير ذلك.

فإن كان الأول (كانت صيغة الإنكار بلفظ ينتظر هذا أو كيف ينتظر هذا أو نظن وجود هذا) لا يكون بصيغة الحصر الذي مضمونها ما ينتظر إلا هذا، لأن ذلك يقصد أشياء كثيرة ينتظرها غير هذا، فلا يصلح أن يقال: ما ينتظر إلا هذا وهو ينتظر أشياء غيره.

وإن كان الثاني حسن خطابه بصيغة الحصر؛ لأنه ينتظر أشياء لا حقيقة لها، مثل الذي قيل فيه: ثم يطمع أن أزيد كلا [المدثر: 15-16] والذي قال: أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال: لأوتين مالا وولدا أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا (78) [ ص: 323 ] [مريم: 77-78]، فإن الشيطان يعد أولياءه ويمنيهم أشياء كثيرة، كما قال: يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا [النساء: 120].

فيقال لمثل هذا: ما ينتظر إلا [العذاب] لا النعيم، أو ما ينتظر إلا الحق والعدل، أو ما ينتظر إلا الجزاء على الأعمال، ونحو ذلك.

والآية جاءت بصيغة النوع الثاني دون الأول، ودلائل هذا كثيرة.

التالي السابق


الخدمات العلمية