الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الوجه [السادس]: أنه لا خلاف بين جميع الطوائف أن كثيرا من هذه التأويلات أو أكثرها باطل، بل كثير من التأويلات يعلم فسادها بضرورة العقل، وذلك أنه ما من طائفة من الطوائف الذين يحرفون الكلام عن مواضعه ويلحدون في أسماء الله وآياته ويسمون ذلك تأويلا من أصناف المتجهمة ونحوهم إلا وهي ترد كثيرا من تأويلات الطائفة الأخرى، وتقول إنها باطلة. كما أن المؤسس وأمثاله يردون تأويلات المعتزلة للآيات والأخبار التي فيها وصف الله تعالى بأن له علما وقدرة وحياة [ ص: 292 ] وسمعا وبصرا، وأن له كلاما قائما بنفسه وأنه يرى، ونحو ذلك. ويردون تأويل الجهمية من المعتزلة وغيرهم لعذاب القبر، والصراط، والميزان، وغير ذلك. وهم والمعتزلة يردون تأويلات الفلاسفة الصابئين للجنة والنار، وما فيهما من نعيم وعذاب. والفلاسفة العقلاء مع سائر المتكلمين يردون تأويل القرامطة والباطنية للصلاة والزكاة والحج وغير ذلك. والباطنية ترد كل طائفة منهم تأويل الآخرين، فإن بينهم نزاعا طويلا. والمعتزلة -أيضا- ترد تأويل الأشعرية ونحوهم للآيات التي فيها تنزيه الله نفسه عن الظلم، وفيها إثبات فعل العباد لأفعالهم وفيها إخراج الأعمال الصالحة من الإيمان ونحو ذلك.

[ ص: 293 ] وهذا المؤسس قد اعترف بذلك في هذا الكتاب وغيره، فقال في الفصل الثالث من القسم الثالث، من هذا الكتاب، في الطريق الذي يعرف كون الآية محكمة أو متشابهة، ثم قال: "اعلم أن هذا موضع عظيم، وذلك لأن كل واحد من أصحاب المذاهب يدعي أن الآيات الموافقة لمذهبه محكمة، والآيات الموافقة لمذهب خصمه متشابهة، فالمعتزلي يقول: إن قوله تعالى: : فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر [الكهف: 29] محكم، وقوله وما تشاءون إلا أن يشاء الله [الإنسان: 30] متشابه. والسني يقلب القضية في هذا الباب، والأمثلة كثيرة، فلا بد [ههنا] من قانون أصلي يرجع إليه في هذا الباب".

وسنتكلم -إن شاء الله تعالى- على ما ذكره من القانون.

التالي السابق


الخدمات العلمية