الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              تنبيهات

                                                                                                                                                                                                                              الأول : العين نظر باستحسان مشوب ، تحل من خبيث الطبع يحصل للمنظور منه ضرر .

                                                                                                                                                                                                                              قال بعضهم : وإنما يحصل ذلك من سم يصل من عين العائن في الهوى إلى بدن المعيون ، ونظير ذلك الحائض تضع يديها في إناء اللبن فيفسد ، ولو وضعتها بعد طهرها لم يفسد ، وأن الصحيح ينظر في عين الأرمد فيرمد ، وينشاب أحد بحضرته فينشاب هو .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : قوله- صلى الله عليه وسلم- العين حق أي : الإصابة بها شيء ثابت موجود ، قال الإمام المازري : أخذ بظاهر الحديث الجمهور ، وأنكره طوائف من المبتدعة لغير معنى ، لأن الشارع أخبر بوقوعه .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : استشكل بعض الناس هذه الإصابة فقال : كيف تعمل العين من بعد حتى يحصل الضرر للمعيون ؟

                                                                                                                                                                                                                              وأجيب بأن طبائع الناس تختلف ، فقد يكون ذلك من سم يصل من عين العائن في الهوى إلى بدن المعيون ، وقد نقل عن بعض من كان معيانا أنه قال : إذا رأيت شيئا يعجبني وجدت حرارة تخرج من عيني ، ومن ذلك الحائض إذا وضعت يدها في إناء اللبن أفسدته ، ولو وضعتها بعد طهرها لم تفسد .

                                                                                                                                                                                                                              الرابع : قال الإمام المازري : الذي يتمشى على طريقة أهل السنة أن العين إنما تصدر عن نظر العائن بعادة أجراها الله تعالى أن يحدث الضرر عند مقابلة شخص آخر ، خلافا لبعض الأطباء ، يعني القائل بأن العائن يبعث من عينه قوة سمية تتصل بالمعيون فيهلك أو يفسد ، وهو كإصابة السم وقد أجرى الله تعالى العادة بحصول الضرر عندها خلافا للفلاسفة وقد أجرى الله تعالى العادة بوجود كثير من القوى والخواص في الأجسام والأرواح ، كما يحدث لمن ينظر إليه من يحتسمه من الخجل فيرى في وجهه حمرة شديدة لم تكن قبل ذلك ، وكذا الاصفرار عند رؤية من يخافه وكثير من الناس يسقم لمجرد النظر إليه ، ويضعف قواه ، وكل ذلك بواسطة ما خلق الله تعالى في الأرواح من التأثيرات أشد ارتباطا بالعين وليست هي المؤثرة ، وإنما التأثير للروح ، والأرواح مختلفة في طبائعها وكيفياتها الخبيثة وخواصها ، فمنها ما يؤثر في البدن بمجرد الرؤية لخبث تلك الروح وكيفيتها الخبيثة .

                                                                                                                                                                                                                              والحاصل أن التأثير بإرادة الله تعالى ، وخلقه ليس مقصورا على الاتصال الجسماني ، بل تارة يكون به وتارة يكون بالمعاينة ، وأخرى بمجرد الرؤية ، وأخرى بتوجيه الروح .

                                                                                                                                                                                                                              الخامس : قال ابن القيم : والمقصود العلاج النبوي لهذه العلة ، فمن التعوذات والرقى الإكثار من قراءة المعوذتين والفاتحة وآية الكرسي . [ ص: 170 ]

                                                                                                                                                                                                                              والتعوذ النبوي نحو : أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة .

                                                                                                                                                                                                                              ونحو : أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء ومن شر ما خلق وذرأ وبرأ ومن شر ما يعرج فيها ومن شر ما ذرأ في الأرض ومن شر ما يخرج منها ، ومن شر فتن الليل والنهار ، ومن شر طوارق الليل والنهار إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن .

                                                                                                                                                                                                                              وإذا كان يخشى ضرر عينه وإصابتها للمعين فليدفع شرها بقوله «اللهم بارك عليه» كما قال- صلى الله عليه وسلم- لعامر بن ربيعة لما عان [سهل بن حنيف] : ألا باركت عليه .

                                                                                                                                                                                                                              السادس : ومما يدفع إصابة العين قوله «ما شاء الله لا قوة إلا بالله» وما رواه مسلم أن جبريل رقى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال : «بسم الله أرقيك ، من كل شر يؤذيك ، ومن شر كل ذي نفس أو عين حاسدة ، الله يشفيك ، بسم الله أرقيك» .

                                                                                                                                                                                                                              وروي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- : «بسم الله يبرئك ، من كل داء يؤذيك ومن شر حاسد إذا حسد ، ومن شر كل ذي عين» .

                                                                                                                                                                                                                              السابع : قال الإمام المازري : المراد بداخلة الإزار الطرف المتدلي مما يلي حقوه الأيمن ، قال : وظن بعضهم أنه كناية عن الفرج ، وزاد القاضي عياض : أن المراد ما يلي جسده من إزاره ، وقيل : موضع الإزار من الجسد ، وقيل : وركه ، لأنه معقد الإزار ، قال المازري : وهذا المعنى مما يمكن تعليله ومعرفة وجهه من جهة العقل فلا يرد لكونه لا يعقل معناه .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن العربي : إن توقف مبتدع ، قلنا له : الله ورسوله أعلم ، وقد عضدته التجربة وصدقته المعاينة ، أو يتفلسف : فالرد عليه أظهر ، لأن الأدوية عنده تفعل بقواها ، وقد تفعل بمعنى ما يدركه ويسمون ما هذا سبيله [الخواص .

                                                                                                                                                                                                                              تنبيه في [بيان غريب ما سبق] :

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 171 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية