الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              تنبيه :

                                                                                                                                                                                                                              قد كثر السؤال عن الحكمة في تأكيد التسليم بالمصدر دون الصلاة ، وأجاب الفاكهاني بما حاصله : أن الصلاة مؤكدة معنى صلاة الله وملائكته ولا كذلك السلام ، فحسن تأكيده لفظا إذ ليس ثم ما يقوم مقامه .

                                                                                                                                                                                                                              وأجاب الحافظ بجواب آخر محصله : أنه لما وقع تقديم الصلاة على السلام في اللفظ ، وكان للتقديم مزية في الاهتمام ، وحسن أن يكون السلام لتأخر مرتبته في الذكر؛ لئلا يتوهم قلة الاهتمام ، لتأخره ، والعلم عند الله .

                                                                                                                                                                                                                              ومنها : الكلام على إعرابها ، فقد اختلف في نصب «الملائكة» وبه قرأ العشرة ، وبرفعه قرأ ابن عباس ، وهي رواية شاذة عن أبي عمرو فنصبه بالعطف على اسم «إن» وهو الاسم الكريم ، والرفع على محل اسم «إن» على مذهب الكوفيين ، وعلى أنه مبتدأ محذوف الخبر عند البصريين؛ أي وملائكته يصلون بدل عليه يصلون المذكور ، ولا يضر كون المبتدأ مفردا والخبر جميعا؛ لأن الخبر قد يقع جمعا للتعظيم كما ذكره بعضهم ، ولا خفاء في أن حرف النداء قد أناب مناب أدعو ، وأي منادى مفرد مبني على الضم خلافا للكسائي في أن ضمته ضمة إعراب أتي به وصلة لنداء ما ، فيه «ألى» محله نصب ، وهو اسم مبهم مفتقر إلى ما يزيل إبهامه فلا بد أن يردفه اسم جنس أو ما يجري مجراه كاسم الإشارة يتصف به حتى يصح المقصود بالنداء ، فالذي يعمل فيه والذي صفة له لا ينفك عنها لعدم استقلاله بنفسه .

                                                                                                                                                                                                                              ومنها : السبب في نزولها .

                                                                                                                                                                                                                              روي عن كعب بن عجرة قال : قيل : يا رسول الله ، قد عرفنا السلام عليك ، فكيف نصلي ؟ فنزلت .

                                                                                                                                                                                                                              ومنها : وجه مناسبتها لما قبلها : أنه تعالى لما ذكر حقوقه- صلى الله عليه وسلم- مما خصه به دون أمته من حل نكاح من تهب نفسها وتعظيمه وتوقيره وتحريم نكاح أزواجه على الأمة بعده ، ورفع [ ص: 414 ] الجناح عن أزواجه في تكليمهن آبائهن وأبنائهن ، ودخولهن عليهن ودخولهم عليهن ، وأنه محترم في الملأ الأعلى بقوله : إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما [الأحزاب 56] انعقد الإجماع على أن في هذه الآية من تعظيم النبي- صلى الله عليه وسلم- والتنويه به ما ليس في غيرها ، فنشر ذكره في السماوات السبع ، وعند المستوي وصريف الأقلام والعرش والكرسي وجميع الملائكة المقربين وفي سائر آفاق الدنيا .

                                                                                                                                                                                                                              ومنها : زمن نزولها : فروي أنها نزلت في الأحزاب بعد نكاحه- صلى الله عليه وسلم- زينب بنت جحش وبعد تخييره أزواجه .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الحافظ أبو ذر الهروي في السنة الثانية من الهجرة .

                                                                                                                                                                                                                              وقيل : ليلة الإسراء .

                                                                                                                                                                                                                              وقيل : في ليلة النصف من شعبان .

                                                                                                                                                                                                                              ومنها : الكلام على الملائكة والملائكة جمع ملك ، واختلف فيما اشتق منه على ستة أقوال ، وفي ماهيتهم وحقيقتهم وفي عصمتهم وفضلهم على الأنبياء .

                                                                                                                                                                                                                              والجمهور على أنهم أجسام لطيفة هوائية تقدر على التشكل فتظهر في صور مختلفة وتقوى على أفعال ما مر .

                                                                                                                                                                                                                              وأكثر أهل السنة على أن الأنبياء أفضل منهم ، والهاء في ملكة لتأنيث الجمع نحو صلادمة .

                                                                                                                                                                                                                              وقيل : للمبالغة كعلامة ، وليس بشيء ، وحذفها شذوذ كما قيل :

                                                                                                                                                                                                                              أبا خالد صلت عليك الملائكة

                                                                                                                                                                                                                              ، وكثرتهم لا يعلمها إلا الله تعالى وما يعلم جنود ربك إلا هو [المدثر 31] .

                                                                                                                                                                                                                              وأما الكلام على النبي- صلى الله عليه وسلم- فقد تقدم في أوائل هذا الكتاب مبسوطا .

                                                                                                                                                                                                                              ومنها الحكمة في إتيانه بالجلالة دون غيره من الأسماء الحسنى أنه الاسم الأعظم على ما رجحه كثيرون ، ولم يقسم به غيره كما فسر به قوله تعالى : هل تعلم له سميا [مريم 65] وأنه يضاف إليه فيقال : الرحمن الرحيم ، اسم الله ، ولا عكس ، وجميع الأسماء ، ولأنه لا ينقص بنقص شيء من حروفه ، فإذا أسقطت الهمزة قلت : لله الأمر ، وإن أسقطت اللام الأولى قلت : «له ملك السماوات والأرض» وإن أسقطت الثانية قلت : «هو الأول والآخر» وقال : «آمنوا» دون «يا أيها الناس» وإن كان الصحيح أنه خاطب الكفار بفروع الشريعة؛ لأن الصلاة من أجل القرب فاختص بها المؤمنون وعدى ب «على» المراد بها الدعاء؛ لأن المراد من قوله تعالى . [ ص: 415 ] صلوا عليه أي قولوا : اللهم صل على محمد ، كما أجاب به- عليه الصلاة والسلام- فيمن قال : قد أمرنا بالصلاة عليك ، فكيف نصلي ؟ فقال : قولوا : . . ومنها أنه تعالى قدم صلاته عليه ترغيبا للمؤمنين في ذلك وترهيبا لهم من تركها .

                                                                                                                                                                                                                              [ومنها : أن تشريفه بصلاة الله عليه أسمى من شرف آدم بأمر الله تعالى الملائكة له بالسجود .

                                                                                                                                                                                                                              قال الفاكهاني : لما كانت الصلاة عليه مؤكدة ، يعني بصلاة الله وملائكته ولا كذلك السلام أكده بالمصدر .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الحافظ : لما وقع تقديم الصلاة والسلام في اللفظ ، وكان للتقديم مزية في الاهتمام حسن أن يؤكد السلام لتأخره والعلم لله تعالى ، انتهى] . [ ص: 416 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية