الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              تنبيهات

                                                                                                                                                                                                                              الأول :

                                                                                                                                                                                                                              قوله- صلى الله عليه وسلم- «من صلى علي»

                                                                                                                                                                                                                              هذه شرطية ، والمشروط «صلى» ، وجزاء الشرط قوله عشرا .

                                                                                                                                                                                                                              قال الطيبي : الصلاة منا عليه معناها طلب التعظيم والتبجيل لجنابه الكريم ، والصلاة من الله تعالى على العبد إن كان بمعنى الغفران ، فيكون من الموافقة لفظا ومعنى ، وهذا هو الوجه لئلا يتكرر معنى الغفران ، ومعنى الأعداد المخصوصة محمولة على المزيد والفضل المطلوب . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن القيم : هذا موافق للقاعدة المستقرة في الشريعة أن الجزاء من جنس العمل ، فصلاة الله تعالى على المصلي على رسوله- صلى الله عليه وسلم- جزاء لصلاته هو عليه ، فمن أثنى على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جزاه الله من جنس عمله بأن يثني عليه ويزيد في تشريفه وتكريمه .

                                                                                                                                                                                                                              وقال القاضي عياض : معنى- صلى الله عليه- رحمه وضعف أجره كقوله تعالى : من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها [الأنعام 160] قال : وقد تكون الصلاة على وجهها وظاهره . [ ص: 431 ]

                                                                                                                                                                                                                              كلاما تسمعه الملائكة تشريفا للمصلي وتكريما كما جاء «وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم» .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : قال القاضي أبو بكر بن العربي : قد قال الله تعالى : من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها [الأنعام 160] ومعلوم أن الصلاة عليه- صلى الله عليه وسلم- حسنة ، فللمصلي عليه عشر أمثالها ، فما فائدته ؟

                                                                                                                                                                                                                              أجيب بأن فيه أعظم فائدة ، وذلك أن القرآن اقتضى أن من جاء بالحسنة تضاعف له عشرا ، والصلاة على النبي- صلى الله عليه وسلم- حسنة؛ فاقتضى القرآن أن يعطى عشر درجات في الجنة ، واقتضى الحديث الإخبار أنه تعالى يصلي على من صلى على نبيه- صلى الله عليه وسلم- عشرا ، وذكر الله العبد أعظم مضاعفة .

                                                                                                                                                                                                                              وتحقيق ذلك أن الله تعالى لم يجعل جزاء ذكره إلا ذكره ، كذلك جعل جزاء ذكر نبيه- صلى الله عليه وسلم- ذكره لمن ذكر . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              أي بأن قائل صلاة العبد عليه يصلي عليه سبحانه عشرا ، وكذلك إذا سلم يسلم عليه عشرا فله الحمد والفضل .

                                                                                                                                                                                                                              قال الفاكهاني : وهذه نكتة حسنة أجاد فيها وأفاد . انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              قال العراقي : بل لم يقتصر سبحانه وتعالى في الصلاة على نبيه بأن يصلي عليه بالواحدة عشرا بل زاده على ذلك رفع عشر درجات ، وحط عنه عشر سيئات كما تقدم في حديث أنس .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : قوله : «فليقل عبد من ذلك أو ليكثر» فيه التخيير بعد الإعلام بما فيه من الخيرة في المخير فيه ، فهو تحذير من التفريط في تحصيله فهو قريب من معنى التهديد .

                                                                                                                                                                                                                              الرابع : قوله : «أما يرضيك» قال (شارح ) المشكاة : هذا بعض ما أعطي في الرضا في قوله تعالى : ولسوف يعطيك ربك فترضى [الضحى] وهذه البشارة في الحقيقة راجعة إلى الأمة؛ ومن ثم ظهر تمكن البشرى في أسارير وجهه- صلى الله عليه وسلم- تمكنا عاما حيث جعل وجهه الشريف ظرفا ومكانا للبشر والطلاقة ، وهذا رمز إلى نوع من الشفاعة ، فإذا كانت الصلاة عليه- صلى الله عليه وسلم- توجب هذه الكرامة من الله سبحانه وتعالى فما ظنك بقيامه وتشميره للشفاعة الكبرى ، رزقنا الله ذلك أجمعين .

                                                                                                                                                                                                                              الخامس : قوله- صلى الله عليه وسلم- : «إن أولى الناس بي» أي أقربهم مني منزلة .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن حبان : في هذا الخبر بيان صحيح على أن أولى الناس برسول الله- صلى الله عليه وسلم- في [ ص: 432 ] القيامة يكون أصحاب الحديث إذ ليس من هذه الأمة قوم أكثر صلاة عليه منهم .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو نعيم : هذه منقبة عظيمة يختص بها أصحاب رواة الآثار ونقلتها؛ لأنه لا يعرف لعصابة من العلماء من الصلاة على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أكثر مما يعرف لهذه العصابة نسخا وذكرا .

                                                                                                                                                                                                                              وقال غيره : فيه بشارة عظيمة لأصحاب الحديث؛ لأنهم يصلون على النبي- صلى الله عليه وسلم- قولا وفعلا ليلا ونهارا عند القراءة والكتابة ، فهم أكثر الناس صلاة ، لذلك اختصوا بهذه المنقبة من بين سائر فرق العلماء؛ فلله الحمد على ما أحسن وتفضل .

                                                                                                                                                                                                                              السادس : إنما كان السلام عليه- صلى الله عليه وسلم- أفضل من عتق الرقاب في مقابلة العتق من النار ، ودخول الجنة ، والسلام عليه في مقابلة سلام الله- عز وجل- وسلام من الله أفضل من مائة ألف ألف حسنة .

                                                                                                                                                                                                                              السابع : في بيان غريب ما سبق :

                                                                                                                                                                                                                              «أبلاني» - بهمزة مفتوحة فموحدة ساكنة فلام فألف فنون- أنعم علي والإبلاء الإنعام .

                                                                                                                                                                                                                              «الشربة» بشين معجمة وراء موحدة [وباء] مشددة مفتوحات قال في القاموس : الأرض المعشبة لا شجر بها .

                                                                                                                                                                                                                              وقال في مؤلفه الفرد في الصلاة : هي مجتمع النخيل وفي الصحيح : أنها حوض يكون في أصل النخلة وحولها يملأ ماء لتشربه . [ ص: 433 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية