الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الخامس في ابتداء مرضه- صلى الله عليه وسلم- وسؤال أبي بكر- رضي الله تعالى عنه- أن يمرضه في بيته

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن إسحاق : لما قفل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من حجة الوداع أقام بالمدينة ذا الحجة ، والمحرم ، وصفرا . وضرب على الناس بعث أميره أسامة بن زيد- رضي الله تعالى عنه- وقد تقدم ذكر ذلك في جماع أبواب بعوثه فبينا الناس على ذلك إذ ابتدأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بشكواه الذي قبضه الله تعالى فيه إلى ما أراده به من رحمة وكرامة في ليال بقين من صفر ، أو في أول ربيع الأول صبيحة ليلة خروجه البقيع ليلا مع أبي مويهبة ، فلما أصبح ابتدأ بمرضه من يومه ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عن محمد بن عمر عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن جده- رضي الله تعالى عنه- والبيهقي عن محمد بن قيس قالا : أول ما بدأ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شكواه يوم الأربعاء فكان شكوه إلى أن قبض- صلى الله عليه وسلم- ثلاثة عشر يوما . ومشى على ذلك أبو عمرو وغيره .

                                                                                                                                                                                                                              وقال سليمان التيمي : يوم السبت ومشى عليه الخطابي وقال الإمام الليث بن سعد : يوم الاثنين في صفر سنة إحدى عشرة ليلة إحدى وعشرين رواه يعقوب بن سفيان قال أبو عمر : لليلتين بقيتا منه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى محمد بن قيس لإحدى عشرة ليلة بقيت منه .

                                                                                                                                                                                                                              وقال عمر بن علي : لليلة بقيت منه قال أبو الفرج بن الجوزي : ابتدأ به صداع في بيت عائشة ، ثم اشتد أمره في بيت ميمونة وقيل : في بيت زينب بنت جحش .

                                                                                                                                                                                                                              وقيل : في بيت ريحانة .

                                                                                                                                                                                                                              قال الحافظ : وكونه في بيت ميمونة هو المعتمد ، لأنه الذي رواه الشيخان عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البلاذري عنها أنه- صلى الله عليه وسلم- أقام في بيت ميمونة سبعة أيام .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن إسحاق والإمام أحمد عنها قالت : رجع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذات يوم من البقيع فدخل علي وهو يصدع وأنا أشتكي رأسي فقلت : وا رأساه فقال : «والله بل أنا والله وا رأساه» .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية قال : كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا مر ببابي يلقي إلي الكلمة ينفع الله بها فمر [ ص: 236 ] ذات يوم فلم يقل شيئا مرتين ، أو ثلاثا فقلت : يا جارية دعي لي وسادة على الباب : فجلست عليها على طريقه وعصبت رأسي فمر بي وقال : «ما شأنك» ؟ فقلت : أشتكي رأسي ! فقال : «بل أنا وا رأساه» ! ثم مضى فلم يلبث إلا يسيرا حتى جيء به محمولا في كساء فدخل علي وقال : «وما عليك لو مت قبلي ، فوليت أمرك وصليت عليك ودفنتك» فقلت : والله إني لأحسب أن لو كان ذلك ، لقد خلوت ببعض نسائك في بيتي في آخر النهار فأعرست بها فضحك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم تمادى به وجعه وهو يدور على نسائه ثم استعز به وهو في بيت ميمونة» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البخاري نحوه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو يعلى والإمام أحمد - برجال ثقات- عنها قالت : ما مر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على بابي قط إلا قد قال كلمة تقر بها عيني قالت : فمر يوما فلم يكلمني ومر من الغد فلم يكلمني قالت : ومر من الغد فلم يكلمني ، قلت : قد وجد علي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في شيء :

                                                                                                                                                                                                                              قالت فعصبت رأسي وصفرت وجهي ، وألقيت وسادة قبالة باب الدار فاجتنحت عليها ، قالت : فمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فنظر إلي فقال : «ما لك يا عائشة» ؟ قالت : قلت يا رسول الله اشتكيت وصدعت قال : «تقولين : وارأساه ، بل أنا وارأساه» قالت فما لبث إلا قليلا حتى أتيت به يحمل في كساء قالت : فمرضته ولم أمرض مريضا قط .
                                                                                                                                                                                                                              الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عن عطاء بن يسار- رحمه الله تعالى- مرسلا قال : أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقيل له : اذهب فصل على أهل البقيع ، فذهب فصلى عليهم فقال : اللهم اغفر لأهل البقيع ، ثم رجع فرقد فأتي فقيل له : اذهب فصل على الشهداء فذهب إلى أحد فصلى على قتلى أحد فرجع معصوب الرأس فكان بدء الوجع الذي مات فيه- صلى الله عليه وسلم- .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو طاهر المخلص عن ابن عمر- رضي الله تعالى عنهما- قال : جاء أبو بكر إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال : يا رسول الله ائذن لي فأمرضك فأكون الذي أقوم عليك فقال : «يا أبا بكر إني إن لم أجد أزواجي وبناتي علاجي ازدادت مصيبتي عليهم عظما ، وقد وقع أجرك على الله . [ ص: 237 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية