الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              تنبيهات

                                                                                                                                                                                                                              الأول : قول عائشة -رضي الله تعالى عنها- في بعض أسفاره :

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن سعد وابن حبان وأبو عمر في «الاستذكار» والنووي وابن دقيق العيد : كان ذلك في غزوة بني المصطلق ، وهي المريسيع .

                                                                                                                                                                                                                              قال الحافظ : فإن كان ما جزموا به ثابتا حمل على أنه سقط منها في تلك السفرة مرتين لاختلاف القصتين؛ أي : قصة سقوط العقد ، وحديث الإفك ، وقصة سقوط العقد في حديث التيمم كما هو بين في سياقهما استبعد بعض شيوخنا ذلك ، قال : لأن المريسيع من ناحية مكة بين قديد والساحل ، وهذه القصة كانت من ناحية خيبر لقولها في الحديث : حتى إذا كنا بالبيداء ، أو بذات الجيش ، وهما بين المدينة وخيبر ، كما جزم به النووي .

                                                                                                                                                                                                                              قال الحافظ : وما جزم به مخالف لما جزم به ابن التين ، فإنه قال : البيداء أدنى شيء إلى مكة من ذي الحليفة ، ثم ساق حديث عائشة هذا ثم ساق حديث ابن عمر ، قال : بيداؤكم هذا الذي تكذبون فيها ما أهل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا من عند المسجد . . . الحديث . قال : والبيداء هو الشرف الذي قدام ذي الحليفة في طريق مكة .

                                                                                                                                                                                                                              وقال أيضا : ذات الجيش من المدينة على بريد وبينها وبين العقيق سبعة أميال .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الحافظ : العقيق من طريق مكة لا من طريق خيبر ، فاستقام ما قاله ابن التين ، ويؤيده ما رواه الحميدي في «مسنده» عن سفيان قال : حدثنا هشام بن عروة عن أبيه في هذا الحديث ، فقال فيه : «إن القلادة سقطت ليلة الأبواء» والأبواء بين مكة والمدينة .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية علي بن مسهر في الحديث عن هشام بن عروة عن أبيه قال : «وكان ذلك المكان يقال له : الصلصل» رواه جعفر الفريابي في كتاب «الطهارة» .

                                                                                                                                                                                                                              «والصلصل» بصادين مهملتين مضمومتين ، وبعد كل منهما لام ، الأولى ساكنة .

                                                                                                                                                                                                                              قال البكري : هو جبل عند ذي الحليفة ، فعرف من تضافر هذه الروايات تصويب ما قاله ابن التين . [ ص: 61 ]

                                                                                                                                                                                                                              قلت : جزم محمد بن حبيب الأخباري في تعدد سقوط العقد ، سقط عقد عائشة في غزوة ذات الرقاع ، وفي غزوة بني المصطلق انتهى .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : ورد ما يدل على تأخر سقوط العقد ، فروى ابن أبي شيبة عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال : لما نزلت آية التيمم لم أدر كيف أصنع . . . الحديث ، فهذا يدل على تأخرها عن غزوة بني المصطلق؛ لأن إسلام أبي هريرة كان في السنة السابعة ، وهي بعدها بلا خلاف كما تقدم في غزوة ذات الرقاع . ومما يدل على تأخر القصة عن قصة الإفك ما رواه الطبراني من طريق عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت : لما كان من أمر عقدي ما كان ، وقال أهل الإفك ما قالوا ، خرجت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة أخرى ، فسقط أيضا عقدي حتى حبس الناس على الماء ، فقال أبو بكر : يا بنية في كل سفر تكونين عناء وبلاء على الناس ، فأنزل الله تعالى الرخصة في التيمم فقال أبو بكر : إنك لمباركة .

                                                                                                                                                                                                                              في إسناده محمد بن حميد الرازي في إسناده مقال .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : النكتة في قول عائشة -رضي الله تعالى عنها- : فعاتبني أبو بكر -رضي الله تعالى عنه- ولم تقل : أبي لأن قضية الأبوة الحنو ، وما وقع من العتاب بالقول ، والتأنيب بالفعل مغاير لذلك في الظاهر ، فلذلك أنزلته منزلة الأجنبي فلم تقل : أبي .

                                                                                                                                                                                                                              الرابع : استدل بهذا الحديث على أن الوضوء كان واجبا عليهم قبل نزول آيته ، ولهذا استعظموا نزولهم على غير ماء . ووقع من أبي بكر في حق عائشة ما وقع .

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو عمر : معلوم عند جميع أهل المغازي أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يصل منذ افترضت الصلاة عليه إلا بوضوء ، ولا يدفع ذلك إلا جاهل أو معاند ، قال : وفي قوله : [في هذا الحديث «آية التيمم» إشارة إلى أن الذي طرأ إليهم من العلم حينئذ حكم التيمم لا حكم الوضوء . قال : والحكمة في نزول آية الوضوء -مع تقدم العمل به- ليكون فرضه متلوا بالتنزيل] . الخامس : إنما قال أسيد بن الحضير ما قاله؛ لأنه كان رأس من بعث في طلب العقد الذي ضاع ، قوله : ما هي بأول بركتكم ، يعني أنها مسبوقة بغيرها من البركات ، والمراد بآل أبي بكر نفسه وأهله وأتباعه .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية عمرو بن الحارث عند [البخاري] : «لقد بارك الله للناس فيكم» .

                                                                                                                                                                                                                              وفي تفسير [إسحاق البستي] من طريق عائشة عنها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لها : ما كان كان أعظم بركة قلادتك . [ ص: 62 ]

                                                                                                                                                                                                                              السادس : في رواية عند الشيخين : فبعث ناسا في طلب العقد .

                                                                                                                                                                                                                              وفي أخرى عند أبي داود : «فبعث أسيد بن الحضير وناسا معه» .

                                                                                                                                                                                                                              وطريق الجمع بين هذه الروايات أن أسيدا كان رأس من بعث؛ فلذلك سمي في بعض الروايات دون غيره ، وكذا أسند الفعل إلى واحد مبهم ، وهو المراد به ، كأنهم لم يجدوا العقد أولا ، فلما رجعوا ونزلت آية التيمم وأرادوا الرحيل وأثاروا البعير وجده أسيد بن حضير ، فعلى هذا فقوله في رواية عروة : «فوجدها» أي : بعد جميع ما تقدم من التفتيش وغيره .

                                                                                                                                                                                                                              السابع : في لفظ عن عائشة : «انقطع عقدي» .

                                                                                                                                                                                                                              وفي لفظ : «سقطت قلادة لي» .

                                                                                                                                                                                                                              وفي لفظ : أنها «استعارت قلادة من أسماء» -يعني أختها- فهلكت : يعني ضاعت .

                                                                                                                                                                                                                              والجمع بينهما أن إضافة القلادة إلى عائشة لكونها في يدها وتصرفها ، وإلى أسماء لكونها ملكها ، وجنح البخاري في التفسير إلى تعددها؛ حيث أورد حديث الباب -التيمم- في تفسير المائدة وحديث عروة -أي : بلفظ الاستعارة- في تفسير سورة النساء .

                                                                                                                                                                                                                              النوع السابع : في حوادث السنة الرابعة .

                                                                                                                                                                                                                              فيها : تحريم الخمر .

                                                                                                                                                                                                                              روى أبو داود عن [عائشة] قالت : لما نزلت الآيات الأواخر من سورة البقرة خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقرأهن علينا ، وقال : حرمت التجارة في الخمر .

                                                                                                                                                                                                                              قال القاضي عياض : يحتمل أن يكون هذا متصلا بعد تحريم الخمر .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها نهي أو أوحي إليه بمنع بيع الخمر بظاهر الحديث؛ لأن سورة المائدة التي فيها تحريم الخمر من آخر ما نزل من القرآن ، وآية الربا آخر ما نزل ، ويحتمل أن يكون هذا بعد بيان النبي -صلى الله عليه وسلم- تحريم الخمر ، فلما نزلت آية الربا اشتملت على تحريم ما عدا البيع الصحيح أكد تحريم ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              وأعلم -صلى الله عليه وسلم- أن التجارة في الخمر من جملة ذلك ، ثم كرر تحريمه والإعلام بذلك عام الفتح بالنداء .

                                                                                                                                                                                                                              قال شيخنا -رحمه الله تعالى- : قد وقفت في بعض طرق الحديث على ما يزيل الإشكال ، ما خرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» من طريق الحسن بن عرفة عن داود بن الزبير [ ص: 63 ] قال : عن عبد الأعلى بن الحجاج عن أبي الضحى ، عن مسروق عن عائشة قالت : لما نزلت سورة البقرة نزل فيها تحريم الخمر ، فنهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك ، يدل على أنه كان في الآيات المذكورة تحريم الخمر ، وكأنه نسخت تلاوته .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : فرضت صلاة الخوف .

                                                                                                                                                                                                                              وقيل : في السابعة .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : رجم النبي صلى الله عليه وسلم اليهودي واليهودية .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : ولد الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : وفاة زينب بنت خزيمة -رضي الله تعالى عنها- .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : تزوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : تزوج زينب بنت جحش -رضي الله تعالى عنها- .

                                                                                                                                                                                                                              وقيل : في الخامسة .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : نزل الحجاب .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : نزل قصر الصلاة في السفر .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زيد بن ثابت -رضي الله تعالى عنه- أن يتعلم كتاب يهود .

                                                                                                                                                                                                                              النوع الثامن : في حوادث السنة الخامسة .

                                                                                                                                                                                                                              فيها : تزوج ريحانة بنت يزيد النصرانية ، وجويرية بنت الحارث .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : حديث الإفك ، وصححه الذهبي .

                                                                                                                                                                                                                              وقيل : في السادسة سابق -صلى الله عليه وسلم- بين الخيل .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها :

                                                                                                                                                                                                                              زلزلت المدينة فقال -صلى الله عليه وسلم- : «إن الله يستعتبكم فاعتبوه» .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : وفاة سعد بن معاذ -رضي الله تعالى عنه- في ذي الحجة .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن كثير : وكانت بعد منصرف الأحزاب بخمس وعشرين ليلة ، وكان قدوم الأحزاب في شوال سنة خمس .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد من طريق علقمة بن وقاص ، والشيخان من طريق عروة عن عائشة ، والإمام أحمد والترمذي وصححه عن جابر ، وفي حديث كل ما ليس في الآخر ، أن سعدا أصيب يوم الخندق رماه حبان بن العرقة -لعنه الله- رماه في الأكحل فقطعه ، فضرب [ ص: 64 ] النبي -صلى الله عليه وسلم- خيمة في المسجد ليعوده من قريب ، وحسمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالنار فانتفخت يده ، فتركه فنزفه الدم ، فحسمه أخرى فانتفخت يده ، فلما رأى ذلك سعد قال : اللهم لا تخرج نفسي حتى تقر عيني من بني قريظة ، فاستمسك عرقه فما قطر منه قطرة حتى نزلوا على حكمه ، فأرسل إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحكم أن تقتل رجالهم وتسبى نساؤهم وذراريهم ، يستعين بهم المسلمون ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لسعد : أصبت حكم الله فيهم ، ثم دعا سعد فقال : اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إلي من أن أجاهد فيك ، من قوم كذبوا رسولك ، وأخرجوه ، اللهم فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم ، فإن كان بقي من حرب قريش شيء فابقني لهم -حيا أجاهدهم فيك ، وإن كنت قد وضعت الحرب فافجرها واجعل موتي فيها ، فانفجرت من ليلته فلم ترعهم ومعهم في المسجد أهل خيمة من بني غفار إلا الدم يسيل إليهم ، فقال : يا أهل الخيمة : ما هذا الذي يأتينا من قبلكم ؟ فإذا سعد جرحه يغذو فمات منها- رحمه الله تعالى ورضي عنه- .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني- برجال الصحيح- عن أسماء بنت يزيد قالت : لما توفي سعد بن معاذ صاحت أمه فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «ليرقأ دمعك ، وليذهب حزنك ، فإن ابنك أول من ضحك الله له ، واهتز له عرش الرحمن» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني بسند جيد عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت : لما مات سعد بن معاذ بكى أبو بكر وبكى عمر حتى عرفت بكاء أبي بكر من بكاء عمر وبكاء عمر من بكاء أبي بكر ، فقلت لعائشة : هل كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبكي ؟ قالت : لا ، ولكنه كان يقبض دمعه على لحيته .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني بسند حسن عنها قالت : رجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من جنازة سعد بن معاذ ودموعه تحادر على لحيته .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البيهقي عن جابر -رضي الله تعالى عنه- قال : جاء جبريل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال : من هذا العبد الصالح الذي مات ، ففتحت له أبواب السماء ، وتحرك له العرش ، فخرج فإذا سعد قد مات .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أيضا عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سعد بن معاذ : «تحرك له العرش ، وتبع جنازته سبعون ألف ملك» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أيضا عن معاذ بن رفاعة الزرقي -رضي الله تعالى عنه- قال : أخبرني من شئت من رجال قومي أن جبريل أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- في جوف الليل معتجرا بعمامة من استبرق فقال [ ص: 65 ] له : من الميت الذي فتحت له أبواب السماء ، واهتز له العرش ؟ فقام مبادرا إلى سعد بن معاذ فوجده قد قبض .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أيضا عن الحسن قال : «اهتز له عرش الرحمن فرحا بروحه» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو نعيم عن سعد بن أبي وقاص أن سعد بن معاذ لما مات بعد الخندق خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسرعا فإنه ينقطع بسبعة رجال فما يرجع ويسقط رداؤه فلا يلوي عليه ، وما نفح أحد على أحد ، فقالوا : يا رسول الله ، إن كدت لتقطعنا ، قال : خشيت أن تسبقنا الملائكة إلى غسله ، كما سبقتنا إلى غسل حنظلة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البزار- برجال الصحيح- عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : «لقد نزل لموت سعد بن معاذ سبعون ألف ملك ، ما وطئوا الأرض قبلها» وقال حين دفن : «سبحان الله ، لو انفلت أحد من ضغطة القبر لانفلتسعد بن معاذ» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والبزار والطبراني- برجال الصحيح- والإمام أحمد والطبراني- برجال ثقات- ، عن أبي رمثة ، والإمام أحمد عن أسيد بن حضير ، والطبراني -برجال الصحيح- عن أسامة بن زيد وابن السكن ، والطبراني عن معيقب -رضي الله تعالى عنهم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : «اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البيهقي عن سلمة بن أسلم بن حريش قال : دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما بالبيت أحد إلا سعد مسجى ، فرأيته يتخطاه ، وأومأ أقف فوقفت ورددت من ورائي ، وجلس ساعة ثم خرج ، فقلت : يا رسول الله ، ما رأيت أحدا وقد رأيتك تتخطاه ، فقال : «ما قدرت على مجلس حتى قبض لي ملك من الملائكة أحد جناحيه» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو نعيم عن الأشعث بن قيس بن سعد بن أبي وقاص قال : قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومئذ ركبتيه وقال : دخل ملك فلم يجد مجلسا ، فأوسعت ، فلما حملوا جنازته وكان من أعظم الناس وأطولهم قال قائل من المنافقين : ما حملنا نعشا أخف من اليوم فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «لقد شيعه سبعون ألفا من الملائكة ، ما وطئوا الأرض قط» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عن محمود بن لبيد قال : قال القوم : يا رسول الله ، ما حملنا ميتا أخف علينا من سعد ؟ قال : «ما منعكم أن يخف عليكم وقد شيعته من الملائكة كذا وكذا ، لم يهبطوا قط قبل يومهم ، قد حملوه معكم» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد وأبو نعيم عن محمد بن شرحبيل بن حسنة قال : قبض إنسان يومئذ بيده من تراب قبره قبضة فذهب بها ثم نظر إليها بعد ذلك ، فإذا هي مسك ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «سبحان الله» حتى عرف ذلك في وجهه فقال : «الحمد لله ، لو كان أحد [ ص: 66 ] ناجيا من ضمة القبر لنجا منها سعد ، ضمه ضمة ثم فرج الله عنه» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال : كنت ممن يحفر لسعد قبره ، فكان يفوح علينا المسك ، كلما حفرنا قترة من تراب حتى انتهينا إلى اللحد .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الشيخان عن جابر رضي الله تعالى عنه قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : «اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن إسحاق : ولسعد يقول الرجل من الأنصار :


                                                                                                                                                                                                                              وما اهتز عرش الله من موت هالك سمعنا به إلا لسعد أبي عمرو

                                                                                                                                                                                                                              وروى عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قالت أمه كبيشة بنت رافع [بن معاوية] حين احتمل على نعشه وهي تبكيه :


                                                                                                                                                                                                                              ويل ام سعد سعدا     صرامة وجدا
                                                                                                                                                                                                                              وسؤددا ومجدا     وفارسا معدا
                                                                                                                                                                                                                              سد به مسدا

                                                                                                                                                                                                                              قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «كل نائحة تكذب إلا نائحة سعد» .


                                                                                                                                                                                                                              وفي لفظ : قال -صلى الله عليه وسلم- «لا تزيدون على هذا ، وكان -والله- ما علمت حازما في أمر الله قويا في أمر الله ، كل النوائح تكذب [إلا أم سعد] .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن إسحاق عنه قال : لما دفن سعد ونحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسبح الناس معه ، ثم كبر فكبر الناس معه ، فقالوا : يا رسول الله ، مما سبحت ؟

                                                                                                                                                                                                                              فقال : «لقد تضايق على هذا العبد الصالح قبره حتى فرج عنه» .


                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي الدنيا والطبراني -برجال ثقات- عن أسماء بنت زيد بن السكن قالت : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأم سعد : «لا يرقأ دمعك ويذهب حزنك ، فإن ابنك لأول من ضحك الله عز وجل له واهتز له العرش» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البيهقي عن أمية بن عبد الله أنه سأل بعض أهل سعد : ما بلغكم من قول [ ص: 67 ] رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذا ؟ فقالوا : ذكر لنا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عن ذلك فقال : «كان يقصر في بعض الطهور من البول» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبراني -برجال ثقات- عن عطارد -رحمه الله تعالى- أنه أهدى إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثوب ديباج كساه إياه كسرى ، فدخل أصحابه فقالوا : أنزلت عليك من السماء ؟ فقال : ما تعجبون من ذا لمنديل من مناديل سعد بن معاذ في الجنة خير من هذا ، ثم قال : يا غلام ، اذهب به إلى أبي جهم بن حذيفة ، وقل له : يبعث إلي بالخميصة .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البزار -برجال الصحيح- عن أنس -رضي الله تعالى عنه- أن أكيدر الدومة أهدى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جبة من سندس ، فلبسها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتعجب الناس منها ، فقال : أتعجبون من هذه ، فوالله الذي نفسي بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة خير منها ، ثم أهداها إلى عمر ، فقال : يا رسول الله ، تكرهها وألبسها ؟ قال : يا عمر ، إنما أرسلت بها إليك لتبعث بها وجها ، فتصيب بها مالا ، وذلك قبل أن ينهى عن الحرير .

                                                                                                                                                                                                                              وروى أبو يعلى -برجال ثقات- عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت : ثلاثة من الأنصار ، كلهم من بني عبد الأشهل لم يكن أحد يعتد عليهم فضلا : سعد بن معاذ ، وأسيد بن حضير ، وعباد بن بشر ، وفيها ماتت أم سعد بن معاذ -رضي الله تعالى عنهما- .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : كسف القمر في جمادى الآخرة ، فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بهم صلاة الكسوف ، وجعلت اليهود يضربون بالسوط ، ويقولون : سحر القمر .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : أصابت قريشا شدة ، فبعث إليهم حذيفة بفضة يتألفهم بها .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : وفد بلال بن الحارث المزني ، وهو أول وافد مسلم . ثم قدم ضمام بن ثعلبة قيل : وفيها إسلام خالد بن الوليد ، وعمرو بن العاص .

                                                                                                                                                                                                                              وقيل : في الثالثة .

                                                                                                                                                                                                                              النوع التاسع : في أحوال السنة السادسة

                                                                                                                                                                                                                              فيها : قحط الناس فاستسقى لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسقوا في رمضان .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : إسلام أبي العاص بن الربيع -رضي الله تعالى عنه- وفيها : نزول سورة الفتح .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : فرض الحج على الصحيح .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : خسفت الشمس .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : ظاهر أوس بن الصامت امرأته خولة . [ ص: 68 ]

                                                                                                                                                                                                                              وفيها :

                                                                                                                                                                                                                              قال -صلى الله عليه وسلم- «من كنت مولاه فعلي مولاه» .

                                                                                                                                                                                                                              النوع العاشر : في أحوال السنة السابعة

                                                                                                                                                                                                                              فيها : تزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان وصفية بنت حيي ، وميمونة بنت الحارث -رضي الله تعالى عنهم- .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها قدم جعفر بن أبي طالب ، وأبو موسى ومن معه من الحبشة .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : أسلم أبو هريرة وعمران بن الحصين -رضي الله تعالى عنهما- .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الملوك ، واتخذ الخاتم يختم الكتب .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : حرمت الحمر الأهلية .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : نهى عن متعة النساء .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : اتخذ المنبر كما جزم به ابن سعد ، وقيل : في السنة الثامنة .

                                                                                                                                                                                                                              قال الحافظ : وفيه نظر ، لذكر العباس وتميم الداري فيه ، وكان قدوم العباس بعد الفتح في آخر سنة ثمان ، وقدوم تميم سنة تسع .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : كانت قصة أبي سفيان مع هرقل في الشام .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : جاءته مارية القبطية -رضي الله تعالى عنها- هدية ، وبغلته دلدل .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : أكل من الشاة المسمومة .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : استشهد غلامه مدعم .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : في المحرم سحر النبي -صلى الله عليه وسلم- .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : عمرة القضية .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : مطر الناس :

                                                                                                                                                                                                                              فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : أصبح الناس بين مؤمن بالله وكافر بالكوكب ، ومؤمن بالكوكب وكافر بالله .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : رد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع ، وقدم حاطب بن أبي بلتعة من عند المقوقس .

                                                                                                                                                                                                                              النوع الحادي عشر : في حوادث السنة الثامنة

                                                                                                                                                                                                                              فيها : قدم خالد بن الوليد وعثمان بن طلحة وعمرو بن العاص ، فأسلموا .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن أبي خيثمة : كان ذلك سنة خمس .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الحاكم : سنة سبع . [ ص: 69 ]

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : اتخذ المنبر ، وحنين الجذع ، وهو أول منبر عمل في الإسلام ، كما جزم به ابن النجار وغير واحد .

                                                                                                                                                                                                                              قال الحافظ : وفيه نظر؛ لما ورد في حديث الإفك في الصحيحين عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت : فثار الأوس والخزرج حتى كادوا أن يقتتلوا ، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المنبر فنزل يخفضهم حتى سكنوا ، فإن حمل على التجوز في ذكر المنبر وإلا فهو أصح مما مضى .

                                                                                                                                                                                                                              روى الشيخان والبيهقي عن سهل بن سعد -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أرسل إلى علاثة امرأة قد سماها سهل أن مري غلامك النجار أن يعمل لي أعواد المنبر أجلس عليهن إذا كلمت الناس ، فأمرته فعملها من طرفاء الغابة .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية : فعمل هذه الثلاث درجات ، ثم جاء بها فأرسلته إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأمر بها فوضعت ها هنا .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام الشافعي والإمام أحمد وابن ماجه عن أبي بن كعب -رضي الله تعالى عنه- قال : كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي إلى جذع إذ كان المسجد عريشا ، وكان يخطب إلى ذلك الجذع ، فقال رجل من أصحابه : يا رسول الله ، هل لك أن تجعل لك منبرا تقوم عليه يوم الجمعة حتى يراك وتسمع الناس خطبتك ؟ قال : نعم ، فصنع له ثلاث درجات ، هي التي أعلى المنبر .

                                                                                                                                                                                                                              فلما صنع وضعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- موضعه الذي هو فيه ، فكان إذا بدأ الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن يخطب عليه تجاوز الجذع الذي كان يخطب إليه أولا ، ثم إن الجذع خار حتى تصدع وانشق ، فنزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما سمع صوت الجذع مسحه بيده حتى سكن ، ثم رجع إلى المنبر ، وكان إذا صلى صلى إليه ، فلما هدم المسجد أخذ ذلك الجذع أبي بن كعب فكان عنده حتى بلي [فأكلته الأرض وعاد رفاتا] .


                                                                                                                                                                                                                              وروي عن أنس -رضي الله تعالى عنه- قال : كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة يسند ظهره إلى جذع منصوب في المسجد ، فخطب الناس ، فجاءه رومي فقال : ألا أصنع لك شيئا تقعد عليه كأنك قائم ، فصنع له منبرا له درجتان ومقعد على الثالثة ، فما قعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المنبر خار الجذع .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : مولد إبراهيم ابن سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : وفاة زينب بنت سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : أقام عتاب بن أسيد -رضي الله تعالى عنه- للناس الحج ، وذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لما فتح مكة استعمله عليها للصلاة والحج ، كما ذكره الإمام أبو الحسن [ ص: 70 ] الماوردي في «حاويه» في «السير» و «الحج» فحج بالناس تلك السنة على ما كان عليه الناس في الجاهلية .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : أخذ الجزية من مجوس هجر .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : وهبت سودة يومها لعائشة حين أراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طلاقها .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : إسلام كعب بن زهير بن أبي سلمى بضم السين ، واسم أبي سلمى ربيعة بن رياح -براء مكسورة وياء- .

                                                                                                                                                                                                                              روى البيهقي وأبو بكر محمد بن القاسم بن بشار وأبو البركات عن عبد الرحمن بن محمد بن أبي الأسعد الأنباريان قال : خرج كعب وبجير ابنا زهير حتى أتيا أبرق العراف فقال

                                                                                                                                                                                                                              بجير لكعب : اثبت في عجل هذا المكان حتى آتي هذا الرجل يعني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فأسمع ما يقول ، فثبت كعب وخرج بجير فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسمع كلامه فآمن به ، وذلك أن زهيرا -فيما يزعمون- كان يجالس أهل الكتاب فسمع منهم أنه قد آن مبعث نبي .

                                                                                                                                                                                                                              ورأى زهير في منامه أنه قد مد سببا من السماء ، وأنه قد مد يده ليتناوله ففاته ، فأوله بالنبي -صلى الله عليه وسلم- يبعث ، وأنه في آخر الزمان لا يدركه ، وخبر بنيه بذلك وأوصاهم إن أدركوا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يسلموا ، ولما اتصل خبر إسلام بجير لأخيه أغضبه ذلك فقال :


                                                                                                                                                                                                                              ألا أبلغن عني بجيرا رسالة     فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا
                                                                                                                                                                                                                              فبين لنا إن كنت لست بفاعل     على أي شيء غير ذلك دلكا
                                                                                                                                                                                                                              على خلق لم تلق أما ولا أبا     عليه ولم تدرك عليه أخا لكا
                                                                                                                                                                                                                              فإن أنت لم تفعل فلست بآسف     ولا قائل إما عثرت لعا لكا
                                                                                                                                                                                                                              سقاك بها لمأمون كأسا روية     فأنهلك المأمون منها وعلكا

                                                                                                                                                                                                                              وبعث بها إلى بجير ، فلما أتت بجيرا كره أن يكتمها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأنشده إياها ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : «سقاك بها المأمون ، صدق وإنه لكذوب وأنا المأمون وأهدر دمه ، وقال : من لقي كعبا فليقتله .

                                                                                                                                                                                                                              فكتب بجير إلى أخيه يذكر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أهدر دمه وقال : من لقي كعبا فليقتله ، وليقول له النجاء وما أراك تنفلت ، ثم كتب إليه بعد ذلك : اعلم أن رسول الله لا يأتيه أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا قبل ذلك منه ، وأسقط ما كان قبل ذلك ، فإذا جاءك كتابي هذا فأسلم وأقبل .

                                                                                                                                                                                                                              وذكر ابن إسحاق أن بجيرا كتب إليه :


                                                                                                                                                                                                                              من مبلغ كعبا فهل لك في التي     تلوم عليها باطلا وهي أحزم
                                                                                                                                                                                                                              إلى الله لا العزى ولا اللات وحده     فتنجو إذا كان النجاء وتسلم
                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 71 ] لدى يوم لا تنجو ولست بمفلت     من الناس إلا طاهر القلب مسلم
                                                                                                                                                                                                                              فدين زهير وهو لا شيء دينه     ودين أبي سلمى علي محرم

                                                                                                                                                                                                                              فلما بلغ كعبا الكتاب ضاقت به الأرض وأشفق على نفسه ، وأرجف به من كان في حاضره من عدوه ، فقالوا : هو مقتول ، فلما لم يجد من شيء بدا قال قصيدته التي مطلعها :


                                                                                                                                                                                                                              بانت سعاد      . . . . . . . . . .



                                                                                                                                                                                                                              يمدح بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-

                                                                                                                                                                                                                              النوع الثاني عشر : في حوادث السنة التاسعة .

                                                                                                                                                                                                                              فيها توفي النجاشي -رضي الله تعالى عنه- في رجب .

                                                                                                                                                                                                                              روى البخاري عن جابر ، والشيخان عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنهما- أن [ ص: 72 ] رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه ، وقال : توفي اليوم رجل من الحبشة اسمه أصحمة فهلم فصفوا . فصففنا ، فصلى عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وكبر عليه أربع تكبيرات ، وقال : استغفروا لأخيكم .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها تتابع الوفود ، وكانت تسمى سنة الوفود .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها آلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن لا يدخل على نسائه شهرا .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن حبيب : يقال : إنه ذبح ذبحا فقسمته عائشة بين أزواجه ، فأرسلت إلى زينب بنت جحش بنصيبها فردته ، فقال : زيديها فزادت ثلاثا فقال : لا أدخل عليكن شهرا .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : بيع المسلمين أسلحتهم ، وقالوا : انقطع الجهاد ، فقال -صلى الله عليه وسلم- : لا ينقطع الجهاد حتى ينزل عيسى ابن مريم .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : جاء جبريل يعلم الناس دينهم .

                                                                                                                                                                                                                              فقيل : وفيها فرض الحج .

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : أمر -صلى الله عليه وسلم- بهدم المسجد الضرار بعد عوده من تبوك .

                                                                                                                                                                                                                              روى بسند صحيح- عن هشام بن عروة عن أبيه عن سعيد بن جبير أن موضع مسجد قباء كان لامرأة يقال لها : لية ، كانت تربط حمارا لها فيه ، فابتنى بها سعد بن أبي خيثمة ، وبنو عمرو بن عوف مسجدا ، وأرسلوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعوه ليصلي فيه ، فأتاهم فصلى فيه فحسدتهم أخوالهم بنو عمرو بن عوف ، فقالوا : نحن نصلي في مربط حمار لية لا ، لعمر الله ، ولكنا نبني مسجدا فنصلي فيه ، ويجيء أبو عامر فيؤمنا فيه ، وكان أبو عامر فر من الله ورسوله فلحق بمكة ، ثم لحق بعد ذلك بالشام ، فتنصر فمات بها ، فبنوا مسجدا وأرسلوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يتجهز إلى تبوك ، فقالوا : يا رسول الله ، إنا قد بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة ، والليلة المطيرة ، وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : إني لعلى جناح سفر وحال وشغل ، ولو قدمنا إن شاء الله أتيناكم فصلينا لكم فيه ، فلما قفل ونزل بذي أوان أنزل عليه فيه القرآن : والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا [التوبة] .

                                                                                                                                                                                                                              فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مالك بن الدخشم ومعن بن عدي وأخاه عاصم بن عدي ، فقال : انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه وأحرقوه؛ فانطلقوا مسرعين حتى أتوا بني سالم بن عوف وهم رهط مالك بن الدخشم فقال مالك : انظروا حتى أخرج إليهم بنار من أهلي ، فدخل أهله فأخذ سعفا من النخل ، فأشعل فيه نارا ثم خرجوا يشتدون حتى أتوا [المسجد وفيه أهله ، فحرقوه ، وهدموه ، وتفرق أهله عنه ، ونزل فيه من القرآن ما نزل والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا ] .


                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 73 ]

                                                                                                                                                                                                                              وفيها : موت عدو الله عبد الله بن أبي ابن سلول في ذي القعدة ، بعد أن مرض عشرين يوما .

                                                                                                                                                                                                                              روى البخاري عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن عبد الله بن أبي لما توفي جاء ابنه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال : يا رسول الله ، أعطني قميصك أكفنه فيه ، وصل عليه واستغفر له ، فأعطاه النبي -صلى الله عليه وسلم- قميصه . . . الحديث . وروي أيضا عن جابر -رضي الله تعالى عنه- قال : أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- قبر عبد الله بن أبي بعد ما دفن ، فأخرجه ونفث عليه من ريقه وألبسه قميصه .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية