الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب السابع في اشتداد الوجع عليه- زاده الله فضلا وشرفا-

                                                                                                                                                                                                                              روى ابن حبان وابن سعد عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت : جعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يشتكي ويتقلب على فراشه فقلت له : لو فعل هذا بغضنا قال : «إن الأنبياء يشدد عليهم» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والشيخان وابن سعد عن عبد الله بن مسعود- رضي الله تعالى عنه- قال : دخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فمسسته بيدي فقلت : يا رسول الله إنك لتوعك وعكا شديدا قال : «أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم» قلت : ذاك بأن لك أجرين ؟ قال : «نعم ، والذي نفسي بيده ما على الأرض مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله عنه من خطاياه كما تحط الشجرة ورقها»- .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد والشيخان والبلاذري عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت : ما رأيت أحدا أشد عليه الوجع من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- . [ ص: 239 ]

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد وابن سعد والبخاري في «الأدب» وابن أبي الدنيا وابن ماجه وأبو يعلى والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري- رضي الله تعالى عنه- فإذا عليه صالب من الحمى ما تكاد تقر يد أحدنا عليه من شدة الحمى .

                                                                                                                                                                                                                              وفي رواية «دخلنا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعليه قطيفة فوضعت يدي عليه فوق القطيفة فوجدت حرارتها فوق القطيفة فجعلنا نسبح فقال : «ليس أحد أشد بلاء من الأنبياء ، كما يشدد علينا البلاء يضاعف لنا الأجر ، إن كان النبي من الأنبياء ليسلط عليه القمل حتى يقتله وإن كان النبي من الأنبياء ليعرى ما يجد شيئا يواري عورته إلا العباءة يدرعها ، وإن كانوا ليفرحون بالبلاء كما يفرحون بالرخاء» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد بإسناد صحيح والنسائي والحاكم وابن الجوزي عن أبي عبيدة عن عمته فاطمة بنت اليمان أخت حذيفة قالت : أتينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في نساء نعوده فإذا سقاء معلق نحوه يقطر ماؤه عليه من شدة ما يجد من حر الحمى فقلنا : يا رسول الله لو دعوت الله يكشف عنك فقال : رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «إن أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- طرقه وجع فجعل يشتكي ويتقلب على فراشه فقالت له عائشة لو صنع هذا بعضنا لوجدت عليه ! فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «إن الصالحين يشدد عليهم وإنه لا يصيب المؤمن نكبة من شوكة فما فوق ذلك إلا حطت بها عنه خطيئة ورفع بها درجة» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن سعد عنها قالت : مرض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مرضا اشتد منه ضجره أو وجعه فجعل يشتكي ويتقلب على فراشه فقلت : يا رسول الله إنك لتجزع أو تضجر ، لو صنع هذا بعضنا لوجدت عليه فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «إن المؤمنين يشدد عليهم ، لأنه لا يصيب المؤمن نكبة من شوكة فما فوقها ولا وجع إلا رفع الله تعالى له بها درجة وحط عنه بها خطيئة» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والترمذي وحسنه عن أسامة بن يزيد- رضي الله تعالى عنه- قال : لما ثقل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وجعه هبط وهبط الناس معه إلى المدينة ، فدخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقد أصمت فلم يتكلم ، فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يضعها علي ، أعرف أنه يدعو لي .

                                                                                                                                                                                                                              وروى النسائي والبيهقي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت : أغمي على [ ص: 240 ] رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو في حجرتي ، فجعلت أمسح له وجهه وأدعو له بالشفاء ، فقال : «بل أسأل الله الرفيق الأعلى لأسعد مع جبريل وميكائيل وإسرافيل» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد في «الزهد» وابن سعد عن عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- قال دخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يوعك فوضعت يدي فوق ثوبه ، فوجدت حرها من فوق الثوب ، فقلت : يا رسول الله ما وجدت أحدا تأخذه الحمى أشد من أخذها إياك قال : «كذلك يضاعف لنا الأجر إن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن أبي شيبة والبخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان بين يديه ركوة ، أو عليه فيها ماء ، فجعل يدخل يديه في الماء فيمسح بها وجهه ثم يقول : اللهم أعني على سكرات الموت»- وفي لفظ : «لا إله إلا الله إن للموت سكرات» ثم نصب يده فجعل يقول : «في الرفيق الأعلى» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن الجوزي عنها قالت : رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو يموت وعنده قدح فيه ماء فيدخل يده في القدح ثم يمسح بها وجهه- وفي لفظ- ثم يمسح وجهه بالماء ، ثم قال : «اللهم أعني على سكرات الموت» .

                                                                                                                                                                                                                              وروى البلاذري عنها قالت : لا أغبط أحدا يخفف عليه الموت بعد الذي رأيت من شدة موت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- .

                                                                                                                                                                                                                              ورواه البخاري بلفظ : لا أكره شدة الموت لأحد أبدا بعد النبي- صلى الله عليه وسلم- .

                                                                                                                                                                                                                              صالب الحمى- قال في الصحاح : الصالب : الحارة من الحمى ، خلاف الناقص تقول : صلبت عليه حمة تصلب بالكسر أي دامت واشتدت ، فهو مصلوب عليه هذا أي : طورا ونارا .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية