الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والحق الرجوع إلى أدلة الشرع والأخبار والآثار ظاهرة في هذا الشرط إلا أن مقام الفتوى في التكليف الظاهر يتقدر بقدر قصور الخلق .

فلا يمكن أن يشترط على الناس إحضار القلب في جميع الصلاة ، فإن ذلك يعجز عنه كل البشر إلا الأقلين وإذا لم يمكن اشتراط الاستيعاب للضرورة فلا مرد له إلا أن يشترط منه ما يطلق عليه الاسم ولو في اللحظة الواحدة وأولى اللحظات به لحظة التكبير فاقتصرنا على التكليف بذلك .

ونحن مع ذلك نرجو أن لا يكون حال الغافل في جميع صلاته مثل : حال التارك بالكلية .

فإنه على الجملة أقدم على العمل ظاهرا ، وأحضر القلب لحظة .

وكيف لا والذي صلى مع الحدث ناسيا صلاته باطلة عند الله تعالى ولكن له أجر ما بحسب فعله وعلى قدر قصوره وعذره ومع هذا الرجاء فيخشى أن يكون حاله أشد من حال التارك وكيف لا والذي يحضر الخدمة ويتهاون بالحضرة ويتكلم بكلام الغافل المستحقر أشد حالا من الذي يعرض عن الخدمة وإذا تعارض أسباب الخوف والرجاء وصار الأمر مخطرا في نفسه ، فإليك الخيرة بعده في الاحتياط والتساهل .

ومع هذا فلا مطمع في مخالفة الفقهاء فيما أفتوا به من الصحة مع الغفلة ، فإن ذلك من ضرورة الفتوى كما سبق التنبيه عليه ومن عرف سر الصلاة علم أن الغفلة تضادها .

ولكن قد ذكرنا في باب الفرق بين العلم الباطن والظاهر في كتاب قواعد العقائد أن قصور الخلق أحد الأسباب المانعة عن التصريح بكل ما ينكشف من أسرار الشرع .

فلنقتصر على هذا القدر من البحث ، فإن فيه مقنعا للمريد الطالب لطريق الآخرة وأما المجادل المشغب فلسنا نقصد مخاطبته الآن .

وحاصل الكلام أن حضور القلب هو روح الصلاة وأن أقل ما يبقى به رمق الروح الحضور عند التكبير .

فالنقصان منه هلاك وبقدر الزيادة عليه تنبسط الروح في أجزاء الصلاة .

وكم من حي لا حراك به قريب من ميت فصلاة الغافل في جميعها إلا عند التكبير كمثل حي لا حراك به نسأل الله حسن العون .

التالي السابق


(والحق الرجوع) في ذلك (إلى أدلة الشرع والأخبار والآيات) ، وفي نسخة: والأخبار والآثار، أي: المنقولة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعن أصحابه والتابعين، (ظاهرة) الثبوت والدلالة (في هذا الشرط) الذي هو الخشوع وحضور القلب، (إلا أن مقام الفتوى في التكليف الظاهر يتقيد بقدر قصور) همم (الخلق، فلا يمكن أن يشترط على الناس إحضار القلب في جميع الصلاة، فإن ذلك يعجز عنه كل البشر إلا الأقلين) منهم، وفي نسخة: إلا الأقلون، (وإذا لم يكن اشتراط الاستيعاب) في جميع حالات الصلاة (للضرورة) العامة، (فلا مرد له) ، ولا مفر منه (إلا أن يشترط ما ينطلق عليه الاسم) ، أي: اسم الحضور أو اسم الخشوع (ولو في اللحظة الواحدة) ، وهو أقل الدرجات، (وأولى اللحظات به لحظة التكبير) الأول، (فاقتصرنا على التكليف بذلك) ، وأفتينا به لعامة الناس لأجل تصحيح عباداتهم، (ونحن مع ذلك نرجو أن لا يكون حال الغافل في جميع صلاته) ، ماعدا التكبير وهو عند الأئمة الثلاثة داخل في الصلاة، وروي عن أبي حنيفة أن التكبير الأول خارجها، ولذلك زدت ما عدا التكبير، (مثل: حال التارك) للحضور (بالكلية، فإنه) ، أي: المستحضر قلبه في أول التكبير (على الجملة أقدم على الفعل ظاهرا، وأحضر القلب لحظة) ، فبين حاليهما تفاوت بين (وكيف [ ص: 117 ] لا) يكون ذلك، (والذي صلى مع الحدث ناسيا صلاته باطلة عند الله تعالى) ، إذ لا يتقرب إليه إلا بالطهارة، (ولكن له أجر ما بحسب فعله) ؛حيث إنه أقدم على أداء ما أمر به، (وعلى قدر قصوره وعذره) الذي هو النسيان، وعدم الشعور بكونه محدثا، (ومع هذا الرجاء) الذي تقدم (فنخشى أن يكون حاله) ، أي: هذا المستحضر قلبه لحظة واحدة، (أشد من حال التارك) للحضور بالكلية، (وكيف لا) يكون أشد (والذي يحضر) بساط (الخدمة ويتهاون بالحضرة) الإلهية المعدة للمخاطبة والمساررة بعدم الاعتناء بها، (ويتكلم بكلام الغافل) عن المعاني الذاهل عن أسرار الخطاب الداني (المستحقر) لجلال المخاطب وعظمته، (أشد حالا) وأسوأ مآلا (من الذي يعرض عن الخدمة) ، ولا يحضرها، (وإذا تعارضت أسباب الخوف والرجاء صار الأمر مخطرا في نفسه، فإليك الخيرة بعد) ذلك (فى الاحتياط والتساهل) ، إما أن تأخذ بالاحتياط فهو الأقوى، وإما أن تأخذ بما صححه الفقهاء، فعليه الفتوى، وهذا محط الجواب، وفصل الخطاب، (ومع هذا) الذي ذكرناه من التفصيل (فلا مطمع) لأحد (في مخالفة الفقهاء فيما أفتوا به من الصحة) ، أي: صحة الصلاة (مع) وجود (الغفلة، فإن ذلك ضرورة المفتي) ، أي: يضطر إليه، ولا محيد له عنه، (كما سبق التنبيه عليه) قريبا، (و) بالجملة (من عرف سر الصلاة) بأنها مناجاة مع رب الأرباب، ولا تتم المناجاة إلا بحضور القلب (علم أن الغفلة تضادها) مضادة كلية، (ولكن قد ذكرنا) فيما سبق، (في باب الفرق بين العلم الباطن) ، والعلم (الظاهر في كتاب قواعد العقائد) ما نصه: (إن قصور) همم (الخلق) وأفهامهم عن إدراك المعاني الغريبة (أحد الأسباب المانعة عن التصريح بكل ما ينكشف من أسرار الشرع) . اهـ .

(فلنقتصر على هذا القدر من البحث، فإن فيه) وإن قل (مقنعا) ، أي: كفاية (للمريد) بالإرادة الخالصة عن الشوائب، (الطالب لطريق الآخرة) المأمور بأن يأخذ من كل علم أحسنه، والمريد في اصطلاح صوفية العجم يطلق على التلميذ، فيقال: هو من مريدي الشيخ الفلاني، (وأما المجادل المشغب) الكثير الخصومة، (فلسنا نقصد مخاطبته الآن) ، فإن الحال متسع، وصورة ووقت المرشد في ضيق لاشتغاله بالأهم فالأهم، (وحاصل الكلام) وزبدته (أن حضور القلب هو روح الصلاة) وحياتها، (وإن أقل ما يبقى فيه رمق الروح) ، وحركته وإنعاشه (الحضور عند التكبير) بالقلب، (فالنقصان عنه هلاك) الروح، (وبقدر الزيادة عليه تنبسط الروح في أجزاء الصلاة) ، وتنشرح وتستأنس، (وكم من حي) متصف بالحياة (لا حراك به) ، أي: لا حركة به، (قريب من ميت) ، أي: حكمه حكم الميت، (فصلاة الغافل في جميعها) ، أي: جميع أجزائها (إلا عند التكبير) الأول (كحي لا حراك به) ، نسأل الله حسن العون .




الخدمات العلمية