الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم يرتفع من الركوع إلى القيام ويرفع يديه ويقول سمع الله لمن حمده ويطمئن في الاعتدال ويقول : ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض ، وملء ما شئت من شيء بعد .

التالي السابق


(ثم يرتفع من الركوع إلى القيام) ، وهو الاعتدال، ولو لنافلة كما صححه في "التحقيق" .

قال العراقي: هو عوده إلى ما كان قبل الركوع من قيام أو قعود، فلو سقط من الاعتدال إلى السجود من غير قصد وجب العود إلى الاعتدال، ثم يسجد، كذا قرره صاحب "التعليقة" و"المصباح" اهـ .

وقال الرافعي : الاعتدال ركن في الصلاة غير مقصود في نفسه، ولذلك عد ركنا قصيرا، ومن حيث إنه ركن يذكر مع الأركان، ومن حيث إنه ليس مقصودا في نفسه يذكر تابعا للركوع، وهكذا الجلسة بين السجدتين، قال: وقال أبو حنيفة : لا يجب الاعتدال، وله أن ينحط من الركوع ساجدا، وعن مالك روايتان، إحداهما مثل مذهبنا، والأخرى كمذهب أبي حنيفة، (و) يستحب عند الاعتدال أن (يرفع يديه) إلى حذو منكبيه، فإذا اعتدل قائما حطهما، وقال أبو حنيفة : لا يرفع، (و) يستحب أن (يقول) عند الارتفاع إلى الاعتدال: (سمع الله لمن حمده) أي: قبل الله حمد من حمده، وإرادة القبول من لفظ السماع مجاز، وقيل: غفر له، وفي "المستصفى": اللام للمنفعة والهاء للكتابة لا للاستراحة، (و) يجب (أن يطمئن في الاعتدال) ، وعبارة "المنهاج": السادس -أي من الأركان- الاعتدال مطمئنا، ومعنى الطمأنينة هنا أن تستقر أعضاؤه على ما كان عليه قبل ركوعه؛ بحيث ينفصل ارتفاعه من عوده [ ص: 61 ] إلى ما كان، قال في "الروضة": واعلم أنه يجب الطمأنينة في الاعتدال كالركوع، وقال إمام الحرمين: وفي قلبي من الطمأنينة في الاعتدال شيء، وفي كلام غيره ما يقتضي ترددا فيها، والمعروف الصواب وجوبها، اهـ .

وأوضح من ذلك كلام الرافعي حيث بين وجه توقف إمام الحرمين فيها، فقال: "ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث المسيء صلاته الطمأنينة في الركوع والسجود، ولم يذكرها في الاعتدال ولا في القعدة بين السجدتين، فقال: ثم ارفع رأسك حتى تعتدل جالسا، وفي كلام الأصحاب ما يقتضي التردد فيها، والمنقول هو الأول، وسيأتي الكلام على ذلك في السجود، (ويقول: ربنا لك الحمد) ، هكذا هو في حديث ابن عمر بإسقاط الواو، ويروى فيه أيضا: ولك الحمد بإثباتها، والروايتان معا صحيحتان. قاله الرافعي، قال الحافظ: أما الرواية بإثبات الواو فمتفق عليها، وأما بإسقاطها ففي صحيح أبي عوانة، وذكر ابن السكن في صحيحه عن أحمد أنه قال: من قال ربنا، قال: ولك الحمد، ومن قال: اللهم ربنا، قال: لك الحمد.

قلت: وفي "البحر" عن المجتبى: أفضلها اللهم ربنا ولك الحمد، ويليه اللهم ربنا لك الحمد، ويليه: ربنا لك الحمد، وقال أبو جعفر: لا فرق بينهما، أي: بين لك الحمد بإسقاط الواو، وبين ولك الحمد بإثباتها، واختار صاحب "المحيط": اللهم ربنا لك الحمد، ثم قال الحافظ: قال الأصمعي: سألت أبا عمرو بن العلاء عن الواو في قوله: ربنا ولك الحمد، فقال: هي زائدة، وقال النووي في شرح "المهذب": يحتمل أنها عاطفة على محذوف، أي: ربنا أطعناك وحمدناك ولك الحمد اهـ .

قلت: وهكذا قدره الزيلعي في "التبيين"، وفي "الدراية": الأولى أظهر، وفي "شرح المنية": قبل الأظهر إثبات الواو لأن الكلام عليه جملتان، قلت: وفي "شرح المنهاج": قال في "الأم": هو أحب إلي لأنه جمع بين معنيين: الدعاء والاعتراف، أي: ربنا استجب لنا، ولك الحمد على هدايتك إيانا، وزاد في "التحقيق" بعده: حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه. ولم يذكره الجمهور وهو في البخاري من رواية رفاعة بن رافع، وفيه أنه ابتدره بضعة وثلاثون ملكا يكتبونه، وذلك أن عدد حروفها كذلك، وأغرب النووي في "المجموع" حيث قال: لا يزيد الإمام على: ربنا لك الحمد إلا برضا المأمومين، وهو مخالف لما في "الروضة" و"التحقيق"، وقد جاءت زيادة بعد قوله: لك الحمد، فيما أخرجه مسلم من حديث عبد الله بن أبي أوفى قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد، (ملء السموات والأرض، وملء ما شئت من شيء بعد) ، أي: بعدهما كالعرش والكرسي وغيرهما مما لا يعلم علمه إلا هو، ويجوز في "ملء" الرفع على الصفة، والنصب على الحال، أي: مالئا لو كان جسما، وزاد مسلم في آخره: اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد. وعند مسلم أيضا من حديث أبي سعيد الخدري وابن عباس زيادة بعد قوله: من شيء بعد، وهي: أهل الثناء والمجد، حق ما قال العبد، كلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، وعند ابن ماجه من رواية أبي جحيفة بنحوه وفيه قصة .



(تنبيه) :

وقع في "المهذب" وفي "الشرح" بإسقاط الألف من "أحق"، وبإسقاط الواو قبل "كلنا"، وتعقبه النووي فقال: هكذا نقله الأصحاب في كتب المذهب، والذي في صحيح مسلم وغيره "أحق" بإثبات الألف، "وكلنا لك عبد" بزيادة الواو، وكلاهما حسن، لكن ما ثبت في الحديث أولى اهـ .

قال ابن الملقن وتلميذه الحافظ: هو في سنن النسائي بحذفهما، فنفي النووي إياه غريب .



(تنبيه) :

يجمع الإمام عندنا بين التسميع والتحميد، وهو قول الصاحبين ورواية عن الإمام، واختاره الطحاوي، وكذا المنفرد متفق عليه على الأصح عن الإمام، وأما المقتدي فإنه يكتفي بالتحميد اتفاقا لظاهر حديث البخاري ومسلم .



الخدمات العلمية