الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
واستشعر شكر الله سبحانه على توفيقه لإتمام هذه الطاعة .

وتوهم أنك مودع لصلاتك هذه وأنك ربما لا تعيش لمثلها .

وقال ، صلى الله عليه وسلم : للذي أوصاه صل صلاة مودع ثم أشعر قلبك الوجل والحياء من التقصير في االصلاة وخف أن لا تقبل صلاتك وأن تكون ممقوتا بذنب ظاهر أو باطن فترد صلاتك في وجهك وترجو مع ذلك أن يقبلها بكرمه وفضله .

كان يحيى بن وثاب إذا صلى مكث ما شاء الله تعرف عليه كآبة الصلاة وكان إبراهيم يمكث بعد الصلاة ساعة كأنه مريض .

فهذا تفصيل صلاة الخاشعين الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم على صلواتهم يحافظون والذين هم على صلاتهم دائمون .

والذين هم يناجون الله على قدر استطاعتهم في العبودية فليعرض الإنسان نفسه على هذه الصلاة فبالقدر الذي يسر له منه ينبغي أن يفرح ، وعلى ما يفوته ينبغي أن يتحسر وفي مداومته ذلك ينبغي أن يجتهد .

وأما صلاة الغافلين فهي مخطرة إلا أن يتغمده الله برحمته والرحمة واسعة والكرم فائض فنسأل الله أن يتغمدنا برحمته ويغمرنا بمغفرته إذ لا وسيلة لنا إلا الاعتراف بالعجز عن القيام بطاعته .

التالي السابق


(واستشعر بشكر الله سبحانه على) نعمة (توفيقه) إياك (لإتمام هذه الطاعة) بالكيفية المذكورة (وتوهم في نفسك أنك مودع لصلاتك هذه) وأن هذه آخر صلواتك، (وإنك ربما لا تعيش لمثلها، قال -صلى الله عليه وسلم-: للذي أوصاه صل صلاة مودع) ، ونص القوت: وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد رأى أنس بن مالك رجلا يتوضأ، فقال: إذا صليت فصل صلاة مودع، وتقدم الكلام عليه، ثم رأيت في الحلية لأبي نعيم، قال في ترجمة معاذ بن جبل : حدثنا أبو بكر بن مالك، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، حدثنا سليمان بن حيان، حدثنا زياد مولى لقريش عن معاوية بن قرة قال: قال معاذ بن جبل لابنه: إذا صليت فصل صلاة مودع، لا تظن أنك تعود إليها أبدا، واعلم يا بني أن المؤمن يموت بين حسنتين حسنة قدمها، وحسنة أخرها، (ثم أشعر قلبك الوجل والحياء والتقصير في الصلاة وخف) في نفسك (أن لا تقبل صلاتك) عند الله تعالى (وأن تكون ممقوتا) ، أي: مبغوضا (بذنب ظاهر أو باطن) ، لأن المؤمن لا يخلو عنهما (فترد صلاتك عليك) بسبب ذلك بعد أن تلف كما تلف الخرقة، كما ورد ذلك في حديث تقدم ذكره في فضل الصلاة (و) أنت (ترجو مع [ ص: 162 ] ذلك) ، أي : مع هذا الاستشعار (أن يقبلها) منك مولاك (بكرمه وفضله) ، وعموم رحمته (كان يحيى بن وثاب إذا صلى مكث ما شاء الله تعرف عليه كآبة الصلاة) ، أي : لاستشعاره عدم القبول ، وهو يحيى بن وثاب الأسدي مولاهم الكوفي إمام أهل القراءة بالكوفة .

قال النسائي : ثقة ، وذكره ابن حبان في الثقات ، وقال غيره : عن الأعمش : كان من أحسن الناس قراءة ، وربما اشتهيت أن أقبل رأسه من حسن قراءته ، وكان إذا قرأ لا تسمع في المسجد حركة ، وكان ليس بالمسجد أحد ، وقال الأعمش أيضا : كنت إذا رأيت يحيى بن وثاب قد جاء قلت : هذا وقف للحساب ، يقول : أي رب ، أذنبت كذا ، أذنبت كذا ، فعفوت عني ، فلا أعود . يا رب ، أذنبت كذا ، وكذا ، فعفوت عني ، فلا أعود أبدا ، فأقول هذا كل يوم يوقف للحساب . مات سنة ثلاث ومائة . روى له الجماعة سوى أبي داود .

(وكان إبراهيم) يعني : النخعي (يمكث بعد الصلاة ساعة كأنه مريض) ، أي : يعرف ذلك من وجهه لكمال استغراقه في الصلاة ، أو لاستشعاره خوف عدم القبول (فهذا تفصيل صلاة الخاشعين الذين هم في صلاتهم خاشعون و) صلاة ( والذين هم على صلاتهم يحافظون و) صلاة ( الذين هم على صلاتهم دائمون و) صلاة (الذين هم يناجون الله تعالى على قدر استطاعتهم في العبودية) ، فمن قوي عنده مقام العبودية ظهر عليه سلطان الربوبية ، فأورثه الخشوع ، والاستكانة في المناجاة (فليعرض الإنسان نفسه على هذه الصلوات) ، وفي نسخة : الصلاة (فالقدر) ، وفي نسخة : فبالقدر (الذي تيسر له منها) ، وفي نسخة : الذي تيسر له منه (ينبغي أن يفرح ، وعلى ما يفوته ينبغي أن يتحسر) ، وهذا أقل الدرجات (وفي مداومته ذلك) ، وملازمته (ينبغي أن يجتهد) ببذل وسعه له .

(وأما صلاة الغافلين ) فيها عما ذكر من الهيئات (فهي مخطرة) ، وفي نسخة : فإنها أي ذات خطر (إلا أن يتغمد الله) ، أي : يغطي برحمته ، فالرحمة واسعة ؛ لقوله تعالى : ورحمتي وسعت كل شيء (والكرم فائض) ، أي : سائل جار لا ينقطع أبدا (فنسأل الله أن يغمرنا) ، أي : يعمنا (برحمته) العامة (ويتغمدنا بمغفرته) الشاملة (إذ لا وسيلة لنا) نتوسل بها إليه (إلا الاعتراف بالعجز) ، والقصور (عن القيام بطاعته) ، أي : بحسنها ، وكمالها .




الخدمات العلمية