الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ودل عليه أيضا ما روت أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من صلى في كل يوم اثنتي عشرة ركعة غير المكتوبة بني له بيت في الجنة ركعتين قبل الفجر ، وأربعا قبل الظهر ، وركعتين بعدها ، وركعتين قبل العصر ، وركعتين بعد المغرب وقال ابن عمر رضي الله عنهما : حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل يوم عشر ركعات فذكر ما ذكرته أم حبيبة رضي الله عنها إلا ركعتي الفجر ، فإنه قال : تلك ساعة لم يكن يدخل فيها علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن حدثتني أختي حفصة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين في بيتها ثم يخرج .

وقال في حديثه ركعتين قبل الظهر ، وركعتين بعد العشاء .

التالي السابق


( ودل عليه أيضا ما روي عن أم حبيبة) رملة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية أم المؤمنين ( زوج النبي صلى الله عليه وسلم) ، وأمها صفية بنت أبي العاص بن أمية، هاجرت إلى الحبشة وهلك زوجها؛ فزوجها النجاشي من رسول الله صلى الله عليه وسلم. توفيت سنة 44 رضي الله عنها: ( أنه) صلى الله عليه وسلم ( قال: من صلى في يوم اثنتي عشرة ركعة غير المكتوبة بنى الله له بيتا في الجنة) . هكذا أخرجه مسلم مختصرا، وقال أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف: حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن المسيب بن رافع ، عن عنبسة بن أبي سفيان، عن أم حبيبة بنت أبي سفيان، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من صلى في يوم وليلة اثنتي عشرة سجدة سوى المكتوبة بنى الله له بيتا في الجنة". ورواه أبو معاوية، عن إسماعيل بن أبي خالد، فوقفه على أم حبيبة قالت: من صلى في يوم ثنتي عشرة سوى المكتوبة بني له بيت في الجنة.

وحدثنا عبدة بن حميد، عن داود بن أبي هند، عن النعمان بن سالم، عن عمرو بن أوس، عن عنبسة بن أبي سفيان، عن أم حبيبة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى في يوم ثنتي عشرة سجدة بنى الله له بيتا في الجنة". وقد روي بهذا اللفظ أيضا من حديث عائشة وأبي هريرة ، قال أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا وكيع، عن مصرف بن واصل، عن عبد الملك بن ميسرة، عن عائشة قالت: من صلى أول النهار ثنتي عشرة ركعة بني له بيت في الجنة. وحدثنا غندر، عن شعبة، عن منصور، عن أبي عثمان مولى المغيرة بن شعبة، عن أبي هريرة قال: ما من عبد مسلم يصلي في يوم اثنتي عشرة ركعة إلا بنى الله له بيتا في الجنة. وأخرجه النسائي، والعقيلي من حديثه بلفظ: من صلى في اليوم والليلة اثنتي عشرة ركعة تطوعا بنى الله له بيتا في الجنة. وأخرجه أحمد وابن زنجويه وأبو داود وابن ماجه وابن جرير من حديث أم حبيبة مثله، وأحمد والطبراني في الكبير من حديث أبي موسى الأشعري.

وأخرج ابن عساكر في التاريخ من حديث أم حبيبة بلفظ: من صلى ثنتي عشرة ركعة مع صلاة النهار بنى الله له بيتا في الجنة.

وأخرج الطبراني في الكبير من حديثها بلفظ: من صلى في يوم ثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتا في الجنة، ومن بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة. وقد ورد تعيين أوقات الركعات في حديث أم حبيبة عند النسائي والحاكم وصححه، وقال: على شرط مسلم، فقالا: ( ركعتين قبل الفجر، وأربعا قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين قبل العصر، وركعتين بعد المغرب) .

وعند ابن جرير وابن حبان والطبراني وابن عساكر في حديثهما: أربع ركعات قبل الظهر، واثنتان بعدها، واثنتان قبل العصر، واثنتان بعد المغرب، واثنتان قبل الصبح. وهذا التفاوت في السياق لا يضر، ولعل الحكمة في ابتداء أربع الظهر؛ لأنها أول صلاة صليت بعد الافتراض، والسنة [ ص: 339 ] تبع للفرض، ولذا اختاره صاحب المبسوط من أصحابنا، وأخرجه كذلك ابن زنجويه، والترمذي وقال: حسن صحيح، من حديثها، وقد روي هذا التعيين أيضا في غير حديث أم حبيبة؛ قال أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا إسحاق بن سليمان، عن مغيرة بن زياد، عن عطاء، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ثابر على اثنتي عشرة ركعة من السنة بنى الله له بيتا في الجنة: أربعا قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الفجر".

قلت: وهكذا أخرجه الترمذي وقال: غريب، والنسائي، وابن ماجه، وابن جرير، وليس فيه ذكر للركعتين قبل العصر، قلت: قال الحافظ ابن حجر: ومغيرة بن زياد قال النسائي: ليس بالقوي، وقال الترمذي: تكلم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه. وقال أحمد: ضعيف، وكل حديث رفعه فهو منكر. وقال النسائي: هذا خطأ، ولعل عطاء قال: عن عنبسة، فتصحف بعائشة؛ يعني أن المحفوظ حديث عنبسة عن أخته أم حبيبة.

وقال أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا محمد بن سليمان الأصبهاني، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى في يوم اثنتي عشرة ركعة بني له بيت في الجنة: ركعتين قبل الفجر، وركعتين قبل الظهر، وركعتين بعد الظهر، وركعتين -أظنه قال: قبل العصر- وركعتين بعد المغرب، وأظنه قال: وركعتين بعد العشاء.

قلت: وأخرجه ابن ماجه من رواية محمد بن سليمان الأصبهاني هكذا، وكذا النسائي من هذا الوجه. لكن بدون تعدادها، وقال: هذا خطأ، ومحمد بن سليمان ضعيف، وكذا قال أبو حاتم الرازي: هذا خطأ، والحديث بأم حبيبة أشبه، كذا في شرح التقريب .

وقال أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا عبد الأعلى، عن الجريري، عن ابن بريدة، عن كعب، قال: ثنتا عشرة ركعة من صلاها في يوم سوى المكتوبة دخل الجنة أو بني له بيت في الجنة: ركعتان قبل الغداة، وركعتان من الضحى، وأربع ركعات قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب.

( وقال ابن عمر: حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل يوم عشر ركعات) . قال العراقي: متفق عليه، واللفظ للبخاري، ولم يقل: في كل يوم. ا هـ .

( فذكر ما ذكرته أم حبيبة إلا ركعتي الفجر، فإنه قال: تلك الساعة لم يكن يدخل فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن حدثتني أختي حفصة أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي في بيتها ركعتين ثم يخرج) إلى المسجد، ( وقال) ابن عمر ( في حديثه) : كان يصلي ( ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعد العشاء) .

قال البخاري في الصحيح: باب التطوع بعد المكتوبة

حدثنا مسدد، حدثنا يحيى بن سعيد، عن عبيد الله، أخبرني نافع، عن ابن عمر قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم سجدتين قبل الظهر، وسجدتين بعد الظهر، وسجدتين بعد المغرب، وسجدتين بعد العشاء، وسجدتين بعد الجمعة. فأما المغرب والعشاء ففي بيته. وحدثتني أختي حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي سجدتين خفيفتين بعدما يطلع الفجر، وكانت ساعة لا أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فيها. وقال بعد أربعة أبواب: باب الركعتين قبل الظهر. حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر ، قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل صلاة الصبح كانت ساعة لا يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فيها. حدثتني حفصة أنه كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر صلى ركعتين. ا هـ. وفي هذا الحديث رواية أحد الأخوين عن الآخر نظير حديث أم حبيبة فإنه من رواية عنبسة عنها وهما أخوان، وفيه رواية الأقران؛ فإن حفصة وابن عمر صحابيان فاضلان، وفي سياق الحديث الأول ركعتان قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد الجمعة، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الصبح، فهذه عشر ركعات؛ لأن الركعتين بعد الجمعتين لا تجتمعان مع الركعتين بعد الظهر إلا لعارض بأن يصلي الجمعة وسنتها التي بعدها، ثم يتبين فسادها فيصلي الظهر ويصلي بعدها سنتها. قال الولي العراقي: قلت: تفقها، وفي سياق حديثه الثاني ليس فيه ذكر ركعتي الجمعة .




الخدمات العلمية