الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
السادسة الوتر قال أنس بن مالك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بعد العشاء بثلاث ركعات يقرأ في الأولى سبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية قل يا أيها الكافرون وفي الثالثة قل هو الله أحد .

التالي السابق


( السادسة الوتر) وهو سنة عند الأئمة الثلاثة، واجب عند أبي حنيفة في الأصح وهو آخر أقوال الإمام، والظاهر من مذهبه، وآخر ما رجع إليه زفر، وحكى الطحاوي في وجوبه إجماع السلف. وفي قول للإمام أنه فرض. وبه قال العلم السخاوي وألف فيه جزءا، وساق الأحاديث الدالة على فرضيته، ثم قال: فلا يرتاب ذو فهم بعد هذا، وبه قال زفر أولا، ثم رجع وقال: سنة، ثم رجع وقال: واجب. وروي عن الإمام قول ثالث: أنه سنة مؤكدة، وإليه ذهب الصاحبان، وعليه أكثر العلماء، ووفق المشايخ بين الروايات بأنه فرض عملا وهو الذي لا يترك، واجب اعتقادا فلا يكفر جاحده سنة دليلا لثبوته بها، فلا اختلاف في الحقيقة بين الروايات .

( قال أنس بن مالك ) رضي الله عنه ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بعد العشاء بثلاث ركعات يقرأ في الأولى بسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية قل يا أيها الكافرون وفي الثالثة قل هو الله أحد) . قال العراقي: أخرجه ابن عدي في ترجمة محمد بن أبان، ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث ابن عباس بسند صحيح. اهـ .

قلت: وأخرج حديث ابن عباس أيضا أبو بكر بن أبي شيبة ، عن إسرائيل ح، وأخرجه الطحاوي عن محمد بن خزيمة، حدثنا عبد الله بن رجاء، أخبرني إسرائيل، عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، مثل سيان حديث أنس، وأخرجه ابن أبي شيبة أيضا، عن يونس عن أبي إسحاق مثله. وعن شاذان، حدثنا شريك، عن مخول، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس بنحوه، وأخرجه الطحاوي عن روح بن الفرج، حدثنا لوين، حدثنا شريك، عن مخول مثله. وقد روي ذلك عن جماعة من الصحابة غير ابن عباس ؛ أخرج الطحاوي عن فهد، حدثنا الحماني، حدثنا عباد بن العوام، عن الحجاج، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن عمران بن حصين رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الوتر في الركعة الأولى بسبح اسم ربك الأعلى، وفي الثانية قل يا أيها الكافرون، وفي الثالثة قل هو الله أحد.

وأخرج أبو بكر بن أبي شيبة عن شبابة، عن شعبة، عن قتادة، بلفظ: كان يوتر بسبح اسم ربك الأعلى، ولم يذكر الباقي .

وأخرج الطحاوي عن أبي المطرف بن أبي الوزير: حدثنا محمد بن طلحة، عن زبيد، عن ذر، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه رضي الله عنه أنه صلى الوتر فقرأ في الأولى بسبح اسم ربك الأعلى، وفي [ ص: 355 ] الثانية قل يا أيها الكافرون، وفي الثالثة قل هو الله أحد، فلما فرغ قال: سبحان الملك القدوس ثلاثا يمد صوته بالثالثة. وأخرجه عن حسين بن نصر، حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن زبيد مثله .

وأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة ، عن وكيع، عن سفيان، عن زبيد، وعن هشيم، عن عبد الملك، عن زبيد مثله، إلا أنه لم يذكر مد الصوت في الثالثة .

وقال ابن أبي شيبة أيضا: حدثنا محمد بن أبي عبيدة، حدثني أبي، عن الأعمش ، عن طلحة، عن ذر، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن أبي بن كعب: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بسبح اسم ربك الأعلى، وقل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد، ويقول في آخر صلاته: سبحان الملك القدوس ثلاثا.

قلت: وقد روى الطحاوي في حديث عبد الرحمن بن أبزى المتقدم من طريق أحمد بن يونس، عن محمد بن طلحة، عن زبيد مثل الأول إلا أنه قال: وفي الثانية: قل للذين كفروا، في الثالثة الله الواحد الصمد .

قلت: هكذا كانت قراءة ابن مسعود كان يقرأ: قل للذين كفروا لا أعبد ما تعبدون إلى آخره بدل: قل يا أيها الكافرون .

وأخرج ابن أبي شيبة من طريق عبد الملك بن عمير قال: كان ابن مسعود يوتر بثلاث؛ يقرأ في كل ركعة منهن بثلاث سور من آخر المفصل في تأليف عبد الله، وأخرج من طريق زاذان أن عليا كان يفعل ذلك .

وأخرج الطحاوي من طريق أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي رفعه كان يوتر بسبع سور من المفصل في الركعة الأولى: ألهاكم التكاثر، وإنا أنزلناه، وإذا زلزلت. وفي الثانية: والعصر، وإذا جاء نصر الله: وإنا أعطيناك الكوثر، وفي الثالثة: قل يا أيها الكافرون، وتبت، وقل هو الله أحد.

وأخرج أبو بكر بن أبي شيبة من طريق أنس بن سيرين أن عمر كان يقرأ بالمعوذتين في الوتر.

وأخرج الطحاوي، عن حسين بن نصر، حدثنا سعيد بن عمير، حدثنا يحيى بن أيوب، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين اللتين كان يوتر بعدهما بسبح اسم ربك الأعلى، وقل يا أيها الكافرون، ويقرأ في التي هي الوتر: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس.

وأخرج عن بكر بن سهل الدمياطي، حدثنا شعيب بن يحيى، حدثنا يحيى بن أيوب مثله. وهذا الحديث مخرج عن بكر بن سهل الدمياطي، حدثنا شعيب بن يحيى، حدثنا يحيى بن أيوب مثله، وهذا الحديث مخرج في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه من حديث عائشة، ورواه الحاكم والدارقطني وابن حبان كلهم من طريق يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة، وتفرد به يحيى بن أيوب عنه، وفيه مقال لكنه صدوق .



( تنبيه) :

قال الحافظ: قال إمام الحرمين : رأيت في كتاب معتمد أن عائشة روت ذلك، وتبعه الغزالي فقال: قيل: إن عائشة روت ذلك، وهذا دليل على عدم اعتنائهما معا في الحديث. كيف يقال ذلك في حديث في سنن أبي داود التي هي أم الأحكام. اهـ .

وأخرج الطحاوي، عن أبي زرعة الدمشقي، حدثنا صفوان بن صالح، حدثنا الوليد بن مسلم، عن إسماعيل بن عياش ، عن محمد بن يزيد الرحبي، عن أبي إدريس، عن أبي موسى عن عائشة رفعته: كان يقرأ في وتره في ثلاث ركعات: قل هو الله أحد، والمعوذتين.

ونقل الكمال بن الهمام، عن إسحاق بن راهويه قال: أصح شيء ورد في قراءته صلى الله عليه وسلم في الوتر: سبح، والكافرون، وقل هو الله أحد. وزيادة المعوذتين أنكرها أحمد وابن معين.

قلت: فهذا سر اقتصار أئمتنا في الثالثة على الإخلاص .




الخدمات العلمية