الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الثالثة صلاة الجنائز .

وكيفيتها
مشهورة .

التالي السابق


( الثالثة صلاة الجنازة) بفتح الجيم وكسرها، اسم للميت في النعش، وحكى الأصمعي وابن الأعرابي: بالكسر الميت نفسه، وبالفتح السرير، وعن ثعلب عكس ذلك .

قلت: والمشهور والمعروف، وقال الأزهري في التهذيب: لا يسمى جنازة حتى يشد الميت عليه مكفنا. ( وكيفيتها مشهورة) . قال في الروضة: أما أقلها فأركانها سبعة أحدها النية، ولا يشترط التعرض لفرض كفاية، بل يكفي مطلق الفرض على الأصح، ولو نوى الصلاة على من يصلي عليه الإمام جاز، ولو عين الميت وأخطأ لم يصح هذا إذ لم يشر إلى العين، فإن أشار صح في الأصح، ويجب على المقتدي نية الاقتداء. الثاني: القيام، فلا يجزئ عنه القعود مع القدرة على المذهب. الثالث: التكبيرات الأربع، فلو كبر خمسا ساهيا لم تبطل صلاته، وإن كان عامدا لم تبطل أيضا على الأصح الذي قاله الأكثرون، وقال ابن سريج: الأحاديث الواردة في تكبير الجنازة أربعا وخمسا، هي من الاختلاف المباح، والجميع سائغ، ولو كبر إمامه خمسا، فإن قلنا: الزيادة مبطلة فارقة، وإلا فلا، لكن لا يتابعه فيها على الأظهر، وهل يسلم في الحال أم له انتظاره ليسلم معه؟ وجهان؛ أصحهما الثاني. الرابع: السلام، وفي وجوب نية الخروج عنه ما سبق في سائر الصلوات، ولا يكفي السلام عليك على المذهب، وفيه تردد جواز، عن الشيخ أبي علي. الخامس: قراءة الفاتحة بعد التكبيرة الأولى، وظاهر كلام الغزالي أنه ينبغي أن تكون الفاتحة عقب الأولى متقدمة على الثانية، ولكن حكى الروياني وغيره عن نصه أنه لو أخر قراءتها إلى التكبيرة الثانية، جاز. السادس: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الثانية، وفي وجوب الصلاة على الأول قولان، أو وجهان كسائر الصلوات. السابع: الدعاء للميت بعد التكبيرة الثالثة، وفيه وجه؛ أنه لا يجب تخصيص الميت بالدعاء، بل يكفي إرساله للمؤمنين، والمؤمنات، وقدر الواجب من الدعاء ما ينطلق عليه الاسم، وأما الأفضل فسيأتي، وأما أكمل هذه الصلوات فلها سنن منها رفع اليدين في تكبيراتها الأربع، ويجمع يديه عقب كل تكبيرة، ويضعهما تحت صدره كما في الصلوات، ويؤمن عقب الفاتحة، ولا يقرأ السورة على المذهب، ولا دعاء الاستفتاح على الصحيح، ويتعوذ على الأصح، ويسر بالقراءة في النهار قطعا، وكذا في الليل على الصحيح، ونقل المزني في المختصر أنه عقب التكبيرة الثانية يحمد الله تعالى، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، وهن ركن كما تقدم، وأولها الحمد، ولا خلاف أنه لا يجب، وفي استحبابه وجهان؛ أحدهما، وهو مقتضى كلام الأكثرين لا يستحب، والثاني يستحب. وجزم به صاحب التتمة والتهذيب، ونقل إمام الحرمين اتفاق الأصحاب على الأول، وأن ما نقله المزني غير سديد، وكذا قال جمهور أصحابنا المصنفين، ولكن جزم جماعة بالاستحباب، وهو الأرجح، وأما ثالثها الدعاء للمؤمنين والمؤمنات فمستحب عند الجمهور، وحكى إمام الحرمين فيه تردد الأئمة، ولا يشترط ترتيب هذه الثلاثة، لكنه أولى، ومن المسنونات إكثار الدعاء للميت في الثالثة، ويقول: اللهم هذا عبدك، وابن عبديك، خرج من روح الدنيا وسعتها ومحبوبه وأحباؤه فيها إلى ظلمة القبر، وما هو لاقيه فيه كان يشهد أن لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، وأن محمدا عبدك، ورسولك، وأنت أعلم به، اللهم إنه نزل بك، وأنت خير منزول به، وأصبح فقيرا إلى رحمتك، وأنت غني عن عذابه، وقد جئناك راغبين إليك، شفعاء له، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه، وإن كان مسيئا فتجاوز عنه، ولقه برحمتك رضاك، وقه فتنة القبر وعذابه، وافسح له في قبره، وجاف الأرض عن جنبيه، ولقه برحمتك الأمن من عذابك حتى تبعثه آمنا إلى جنتك يا أرحم الراحمين، هذا نص الشافعي في المختصر .

فإن كان الميت امرأة قال: اللهم هذه أمتك، وبنت عبديك، ويؤنث الكنايات، ولو ذكرها على إرادة الشخص جاز، ويسن أن يقول قبل ذلك ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى على [ ص: 451 ] جنازة قال: اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان.




الخدمات العلمية