الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والمستحب أن يصليهما في المنزل ويخففهما .

التالي السابق


( والمستحب أن يصليهما في المنزل) قبل خروجه إلى المسجد كما كان يفعله صلى الله عليه وسلم كما سيأتي في حديث حفصة قريبا، وقال الولي العراقي: اتفق العلماء على أفضلية فعل النوافل المطلقة في البيت، واختلفوا في الرواتب؛ فقال الجمهور: الأفضل فعلها في البيت أيضا، سواء في ذلك راتبة الليل والنهار، وقال النووي: ولا خلاف في هذا عندنا، وقال جماعة من السلف: الاختيار فعلها كلها في المسجد، وأشار إليه القاضي أبو الطيب الطبري، وقال مالك والثوري : الأفضل فعل راتبة النهار في المسجد، وراتبة الليل في البيت .

قال النووي: ودليل الجمهور صلاته صلى الله عليه وسلم سنة الصبح والجمعة في بيته وهما صلاتا نهار، مع قوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة". ا هـ .

( و) المستحب أيضا أن ( يخففهما) ؛ لما أخرج أبو بكر بن أبي شيبة عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخفف ركعتي الفجر. وفي رواية عنها: كان إذا طلع الفجر صلى ركعتين خفيفتين. وعن حفصة مثله، وفي رواية عنها: كان يصليهما بسجدتين خفيفتين إذا طلع الفجر. وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال: ما رأيت أبي يصليهما قط إلا وكأنه يبادر حاجة. وعن الحسن ومحمد: أنهما كانا لا يزيدان إذا طلع الفجر على ركعتين خفيفتين. انتهى؛ ولذلك بالغ البعض، فقال: لا يقرأ فيهما شيئا أصلا. وقال العراقي في شرح الترمذي : الحكمة في تخفيفهما وتطويل الأربع التي قبل الظهر من وجهين: أحدهما استحباب التغليس في الصبح، والإبراد في الظهر، والثاني أن ركعتي الفجر تفعلان بعد طول القيام في الليل فناسب تخفيفهما، وسنة الظهر ليس قبلها إلا سنة الضحى، ولم يكن صلى الله عليه وسلم يواظب عليها، ولم يرد تطويلها فهي واقعة بعد راحة ا هـ. وقال مالك: وجمهور أصحابه: لا يقرأ غير الفاتحة، وحكاه ابن عبد البر عن أكثر العلماء .

قال الطحاوي: حدثنا يونس، أخبرنا ابن وهب قال: قال مالك بذلك آخذ في خاصة نفسي أن أقرأ فيهما بأم القرآن، ثم ساق من طريق عمرة، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتي الفجر ركعتين خفيفتين، حتى أقول: هل قرأ فيهما بأم القرآن؟ ا هـ. وقال الشافعي وأحمد والجمهور كما حكاه عنهم النووي: يستحب أن يقرأ فيهما بعد الفاتحة سورة، وقد ثبت من حديث عائشة كما عند ابن أبي شيبة والطحاوي أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ فيهما: قل يا أيها الكافرون ، و قل هو الله أحد ، يسر فيهما القراءة، ورويا ذلك [ ص: 335 ] أيضا من حديث ابن عمر مثله، وعن ابن مسعود، وابن سيرين، وعبد الرحمن بن يزيد، ورواه الطحاوي خاصة من حديث ابن مسعود وأنس بن مالك وجابر.

وثبت أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ مع الفاتحة غير هاتين السورتين؛ قال أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا أبو خالد الأحمر، عن عثمان بن حكيم، عن سعيد بن يسار، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى: قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا الآية، وفي الثانية: تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم . وأخرجه الطحاوي عن ابن أبي داود، عن سويد بن سعيد، وأيضا عن ربيع المؤذن، عن أسد، كلاهما عن مروان بن معاوية، عن عثمان بن حكيم، فساقه إلا أنه قال: وفي الثانية: قل آمنا بالله إلى قوله: ونحن له مسلمون .

وأخرج الطحاوي أيضا من طريق أبي الغيث عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في السجدتين قبل الفجر في الأولى: قولوا آمنا بالله الآية، وفي الثانية: ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين .

وأخرج أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي داود عن زمعة، عن ابن طاوس عن أبيه، أنه كان يقرأ في الركعتين قبل الصبح: إذا زلزلت، والعاديات، وفي الركعتين بعد العشاء: آمن الرسول ، و قل هو الله أحد .

قال الطحاوي: فقد ثبت بما وصفنا أن تخفيفه ذلك كان معه قراءة، وثبت بما ذكرنا من قراءته غير فاتحة الكتاب نفي قول من كره أن يقرأ فيهما غير فاتحة الكتاب، فثبت أنهما كسائر التطوع وأنه يقرأ فيهما كما يقرأ في التطوع، ولم نجد شيئا من صلوات التطوع لا يقرأ فيه بشيء، ولا يقرأ فيه إلا بفاتحة الكتاب خاصة ا هـ .

وقال العراقي: واختلف أصحابنا في الأفضلية فقيل: الأفضل الأول يعني السورتين بعد الفاتحة، وعللوا ذلك بأن الوقف على آخر السورة صحيح بالقطع، بخلاف البعض، فإنه قد يخفى عليه الوقف فيه، فيقف في غير موضعه، قال: وذهب النخعي إلى جواز إطالة القراءة في ركعتي الفجر، واختاره الطحاوي، وذهب الحسن البصري والثوري وأبو حنيفة إلى أنه يجوز لمن فاته حزبه من الليل أن يقرأ فيهما ويحسن فيهن الركوع والسجود .

قلت: قال الطحاوي: لم نجد شيئا في التطوع كره أن تمد فيه القراءة، بل قد استحب طول القنوت، وروي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ سمعت ابن أبي عمران يقول: سمعت ابن سماعة يقول: سمعت محمد بن الحسن يقول بذلك، نأخذ هو أفضل عندنا من كثرة الركوع والسجود مع قلة طول القيام، فلما كان هذا حكم التطوع، وقد جعلت ركعتا الفجر من أشرف التطوع، وأكد أمرهما ما لم يؤكد أمر غيرهما من التطوع كان أولى بهما أن يفعل فيهما أشرف ما يفعل في التطوع، ولقد حدثني ابن أبي عمران قال: حدثني محمد بن شجاع، عن الحسن بن زياد قال: سمعت أبا حنيفة رضي الله عنه يقول: ربما قرأت في ركعتي الفجر حزبي من القرآن، فبهذا نأخذ لا بأس بأن تطال فيهما القراءة، وهي عندنا أفضل من التقصير؛ لأن ذلك من طول القنوت الذي فضله رسول الله صلى الله عليه وسلم في التطوع على غيره .

وقد روي ذلك أيضا عن إبراهيم؛ حدثنا أبو بكرة قال: حدثنا أبو عامر، وحدثنا محمد بن خزيمة، حدثنا مسلم بن إبراهيم، قالا: حدثنا هشام الدستوائي، حدثنا حماد، عن إبراهيم، قال: إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا الركعتين اللتين قبل الفجر، قال: قلت لإبراهيم: أطيل فيهما القراءة؟ قال: نعم؛ إن شئت. ا هـ .




الخدمات العلمية