الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وإن قرأ المسبحات الست في يوم الجمعة أو ليلتها فحسن .

، وليس يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ سورا بأعيانها إلا في يوم الجمعة ، وليلتها كان يقرأ في صلاة المغرب ليلة الجمعة قل يا أيها الكافرون وقل ، هو الله أحد ، وكان يقرأ في صلاة العشاء الآخرة ليلة الجمعة سورة الجمعة والمنافقين ، وروي أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرؤهما في ركعتي الجمعة .

وكان يقرأ في الصبح يوم الجمعة سورة سجدة لقمان ، وسورة : هل أتى على الإنسان .

التالي السابق


(وإن قرأ المسبحات الست في يوم الجمعة، وليلتها، فذلك حسن) ، كذا في القوت، وهي تسبيحات ابن المعتمر؛ سيأتي ذكرها عند ذكر أوراد اليوم (وليس يروى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ سورا بأعيانها إلا في يوم الجمعة، وليلتها) . زاد صاحب القوت: فإنا روينا أنه (كان يقرأ في صلاة المغرب ليلة الجمعة قل يا أيها الكافرون ، و قل هو الله أحد ، وكان يقرأ في صلاة

[ ص: 295 ] العشاء الأخيرة سورة الجمعة، وسورة المنافقين) . قال العراقي: أخرجه ابن حبان، والبيهقي من حديث جابر بن سمرة، وفي ثقات ابن حبان: المحفوظ عن مالك مرسلا. قال العراقي: قلت: لا يصح مسندا، ولا مرسلا. اهـ .

(وروي أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يقرؤهما) ؛ أي: السورتين؛ الجمعة والمنافقين، (في ركعتي الجمعة) يعني صلاتها، كذا في القوت. أخرجه الشافعي، عن إبراهيم بن محمد، حدثني عبد الله بن أبي عبيد، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة (وكان يقرأ في الصبح يوم الجمعة بسجدة لقمان، وسورة: هل أتى على الإنسان) ، كذا في القوت. قال العراقي: أخرجه مسلم من حديث ابن عباس، وأبي هريرة. اهـ .

قلت: الذي في الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه كان يقرأ في صبح الجمعة بالسجدة، وهل أتى.

وأخرج الشافعي، عن عبد العزيز بن محمد، عن جعفر، عن أبيه، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبي هريرة أنه قرأ في الجمعة بسورة الجمعة، وإذا جاءك المنافقون. قال عبيد الله: فقلت له: قد قرأت بسورتين كان علي يقرأ بهما في الجمعة، فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ بهما، وقال الشافعي أيضا: أخبرنا إبراهيم، عن محمد، حدثني مسعر بن كدام، عن معبد بن خالد، عن سمرة بن جندب، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية، وقال ابن الحاج في المدخل: يقرأ الإمام في الجمعة في الأولى بعد أم القرآن بسورة الجمعة، وأما الثانية فاختلفت الروايات فيها، فقيل: المنافقون، وقيل: سبح اسم ربك الأعلى، وقيل: هل أتاك حديث الغاشية، وهو الأكثر، ولم يختلف المذهب في الأولى أنه لا يقرأ فيها إلا بسورة الجمعة، وقد سئل مالك -رحمه الله- عما يقرأ المسبوق بركعة في الجمعة، فقال: يقرأ مثل ما قرأ إمامه بسورة الجمعة، فقيل له: أقراءة سورة الجمعة في صلاة الجمعة سنة؟ قال: ما أدري ما سنته؟ ولكن من أدركنا كان يقرأ بها في الركعة الأولى من الجمعة. اهـ .

ثم قال: وإن كان قد ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قرأ في الأولى منها بسبح اسم ربك، وفي الثانية بهل أتاك، لكن الذي واظب عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- واستقر عليه عمل السلف هو ما تقدم ذكره، وإذا كان ذلك كذلك، فالمواظبة على ترك قراءة سورة الجمعة في الركعة الأولى منها بما لا ينبغي، فيحذر من ذلك جهده. قال: وبعض الأئمة في هذا الزمان يقرأ في الأولى بآخر سورة الجمعة، وفي الثانية بآخر المنافقين، وهذا راجع إلى ما تقدم من قصر الصلاة، وإطالة الخطبة، وما كان السلف يقرؤون إلا سورة كاملة بعد الفاتحة، وإن كان الشافعي -رحمه الله تعالى- قد أجاز الاقتصار على قراءة بعض السور، فذلك من باب الجواز، والأفضل الاتباع. اهـ .



(فصل)

قال الشيخ الأكبر -قدس سره- في كتاب الشريعة: والحقيقة، من الناس من رأى أنها كسائر الصلوات، لا يعين فيها قراءة سورة بعينها؛ بل يقرأ ما تيسر، ومن الناس من اقتصر على ما قرأ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في هذه الصلاة غالبا مما قد ثبتت به الرواية عنه، وهو سورة الجمعة في الركعة الأولى، والمنافقين في الثانية، وقد قرأ سورة الغاشية بدلا من المنافقين، وقد قرأ في الأولى بسبح اسم ربك الأعلى، وفي الثانية بالغاشية، والذي أقول به: أن لا توقيت، والاتباع أولى .

الاعتبار: المناجى هو الله، والمناجي هو العبد، والقرآن كلامه، وكل كلامه طيب، والفاتحة لا بد منها، والسورة منزلة من المنازل عند الله، والقرآن قد ثبت فضل بعضه على بعض بالنسبة لما لنا فيه من الأجر، فإن قصدت المناسبة، فسورة الجمعة، وفيها الاقتداء بالرسول، وسبح اسم ربك الأعلى تنزيه الحق عما يظهر في هذه العبادة من الأفعال؛ إذ سمى نفسه تعالى أنه يصلي، فتسبيحه عن التخيل الذي تتخيله النفس من قوله يصلي، فناسب سبح اسم ربك الأعلى، والمنافقون، وهل أتاك حديث الغاشية لما تقتضيه الخطبة من الوعد، والوعيد، فتكون القراءة في الصلاة تناسب ما ذكره الإمام في الخطبة، والله يقول: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة . والله أعلم .




الخدمات العلمية