الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وإن تزوج مسلم ذمية بشهادة ذميين جاز عند أبي حنيفة وأبي يوسف . وقال محمد وزفر : لا يجوز ) لأن السماع في النكاح شهادة ولا شهادة للكافر على المسلم [ ص: 204 ] فكأنهما لم يسمعا كلام المسلم .

ولهما أن الشهادة شرطت في النكاح على اعتبار إثبات الملك لوروده على محل ذي خطر لا على اعتبار وجوب المهر إذ لا شهادة تشترط في لزوم المال وهما شاهدان عليها ، بخلاف ما إذا لم يسمعا كلام الزوج لأن العقد [ ص: 205 - 206 ] ينعقد بكلامهما والشهادة شرطت على العقد .

التالي السابق


( قوله لأن السماع في النكاح شهادة ولا شهادة للكافر على المسلم ) ينتج لا سماع للكافر على المسلم لكنه عدل في النتيجة إلى التشبيه فقال : فصار كأنهما لم يسمعا كلام المسلم لأن مراده من النتيجة نفي السماع المعتبر لا نفي حقيقته ، وإذا انتفى الاعتبار صار وجوده كعدمه فصح تشبيه السماع بعدمه على ما هو معنى قوله فصار كأنهما لم يسمعا كلام المسلم ، وتمام هذا الدليل موقوف على أن صغرى القياس منعكسة كنفسها في خصوص هذه المادة لأن المطلوب نفي الشهادة لنفي السماع المعتبر ، فلو أن الشهادة مجرد الحضور كما يعطيه ظاهر القدوري ، وقدمنا أن ممن قال به السغدي والإسبيجابي لم يتم .

ونص القدوري وغيره على اشتراط السماع ولأنه المقصود بالحضور فلا يجوز بالأصمين على ما هو الأصح ، وعن اشتراط السماع ما قدمناه في التزوج بالكتابة من أنه لا بد من سماع الشهود ما في الكتاب المشتمل على الخطبة بأن تقرأه المرأة عليهم أو سماعهم العبارة عنه بأن تقول : إن فلانا كتب إلي يخطبني ثم تشهدهم أنها زوجته نفسها ، أما لو لم تزد على الثاني لا يصح على ما قدمناه في الفروع . ولقد أبعد عن [ ص: 204 ] الفقه وعن الحكمة الشرعية من زاد النائمين ونص في فتاوى قاضي خان عليه إذا لم يسمعا كلامهما ثم الشرط أن يسمعا معا كلامهما مع الفهم .

أما الأول فذكر في روضة العلماء أنه الأصح ، قال وبه أخذ عامة العلماء ا هـ . إذ لو سمع أحد الشهود ثم أعيد على الآخر فسمعه وحده لم يكن الثابت على كل عقد سوى شاهد واحد ، وعن أبي يوسف : إن اتحد المجلس جاز استحسانا وإلا فلا ، وعنه : لا بد من سماعهما معا . وأما الثاني فعن محمد : لو تزوجها بحضرة هنديين لم يفهما لم يجز . وعنه : إن أمكنهما أن يعبرا ما سمعا جاز وإلا فلا ، وحكى في فتاوى قاضي خان خلافا فيه وجعل الظاهر عدم الجواز ( قوله ولهما أن الشهادة شرطت في النكاح على اعتبار إثبات الملك ) أي ملكه عليها ( لوروده على حمل ذي خطر ) وهو بضع أنثى ليست مملوكة له محللة من بنات آدم على وجه يقصرها على نفسه لاستيفاء حاجاته منها وهذه من جلائل النعم ، وهو معنى مناسب لاشتراط إحضار السامعين العقلاء إظهارا لتعظيم هذا العقد ليقع في محفل من المحافل ، وقد ظهر أثر ذلك بإيجاب المال عليه دونها مع أن ملك المتعة مشترك .

فعلم أن اشتراط الشهادة لصحة العقد ليس لملك كل منهما التمتع بكل وإلا لم يختص بلزومه ولا على اعتبار وجوب المهر لها عليه ليكونا شاهدين عليه ، إذ لا شهادة تشترط في لزوم المال فيما عهد من تقريرات الشرع في موضع ، ولا على اعتبار ملكهما الازدواج المشترك لأنه ثبت تبعا لملك البضع ولا تشترط للتوابع وإلا وجب الإشهاد على شراء الأمة للوطء فإن ملكه من توابع ملك رقبتها .

وإذا كانت الشهادة لثبوت ملكه عليها كانا شاهدين عليها وهي ذمية فيجوز بذميين فإنه إظهار خطر بالنسبة إليها شرعا ، ولهذا لو كانا ذميين حكم الشرع بصحته ، حتى لو أسلما بقي على الصحة ( بخلاف ما إذا لم يسمعا كلام الزوج ) لأن الشهادة اشترطت في العقد لذلك المعنى والعقد يقوم [ ص: 205 ] بهما فلا بد من سماعهما . هذا وتقبل شهادتهما عليها إذا أنكرت لا عليه إذا أنكر . وعند محمد لا تقبل إلا أن يقولا كان معنا مسلمان .

وعنه لا تقبل مطلقا لإثباتها فعل المسلم ولا يثبت بشهادتهما . ولو أسلما ثم أديا تقبل على كل حال عندهما لأن سماعهما كلام المسلم معتبر وامتناع الأداء للكفر . وعند محمد لا تقبل لعدم صحة العقد إلا إذا قالا كانا معنا مسلمان عند العقد .



ولو كان الشاهدان ابنيها قبلا عليها فقط ، أو ابنيه فعليه فقط أو ابنيهما فلا يقبلان على واحد منهما ، كما لو كانا أعميين أو أخرسين سميعين حيث يصح العقد بهما ولا أداء لهما لعدم البصر والتكلم ، والعدوان على التفصيل ، فعدوه يقبلان عليها لا عليه ، وعدواها يقبلان عليه لا عليها ، وعدواهما لا يقبلان مطلقا .

أما الانعقاد فيثبت بشهادة الأولاد والأعداء كيف كانوا ، وأما الأخوان بأن يزوج الأب ابنته بشهادة ابنيه فأنكر الزوج وادعاه الأب والبنت كبيرة أو المرأة فشهد لا تقبل . ولو كان الزوج هو المدعي والمرأة منكرة أو الأب قبلت ، هذا قول أبي يوسف . وعند محمد تقبل وإن كان المدعي الأب أو المرأة أيضا .

والأصل أن كل شيء يدعيه الأب فشهادتهما فيه باطلة وإن لم يكن فيه منفعة له لشبهة الأبوة عند أبي يوسف لثبوت منفعة نفاذ كلامه .

وقال محمد : كل شيء للأب فيه منفعة جحدا وادعاء ، فشهادة ابنيه فيه باطلة ، وكذا كل شيء وليه مما يكون خصما فيه كالبيع ونظائره ، ولم يعتبر منفعة نفاذ القول منفعة ، ولو كانت البنت صغيرة لا تقبل اتفاقا لأنها للأب . قال الحاكم أبو الفضل في تفسيره : يريد أن الشهادة تبطل في حال ادعائه من طريق التهمة ، وكذا في حال جحوده لوقوعها لغير خصم يدعي ا هـ .

وفسر في المبسوط جحوده بأن المراد عند جحوده إن كان الآخر جاحدا أيضا لا تقبل لعدم الدعوى ، فأما إذا كان الآخر مدعيا فمقبولة ، وإن كان للأب منفعة فيها كما إذا شهدوا عليه ببيع ما يساوي مائة بألف والمشتري يدعيه ، وهذا لأن هذه منفعة غير مطلوبة للأب فلا تمنع من قبول شهادتهما ، وكذلك إذا قال لعبده إن كلمك فلان فأنت حر فشهد ابنا فلان أن أباهما كلمه جازت عند محمد سواء كان الأب جاحدا أو مدعيا . وعند أبي يوسف لا تجوز إلا أن يكون جاحدا .



ولو زوج الرجل بنته ثم شهد مع أخيها عليها بالرضا وهي تنكر لا تقبل لأن الشهادة على فعل نفسه مطلقا لا تقبل سواء كان مما هو فيه خصم أو لا



[ فرعان ]

لو أقر بالنكاح بحضرة الشهود وكان تزوجها بغير شهود اختلفوا فيه ، والأصح أنهما إن سميا المهر ينعقد نكاحا مبتدأ كذا في الدراية . وقدمنا أنهما إذا أقرا به ولم يكن بينهما نكاح لا ينعقد إلا إن قال الشهود جعلتما هذا نكاحا فقالا نعم فينعقد لأن النكاح ينعقد بالجعل .

قال قاضي خان : وينبغي أن يكون الجواب على التفصيل إن أقرا بعقد ماض ولم يكن بينهم عقد لا يكون نكاحا . وإن أقرت أنه زوجها وهو أنها امرأته يكون نكاحا ويتضمن إقرارهما الإنشاء ، بخلاف إقرارهما بماض لأنه كذب كما قال أبو حنيفة : إذا قال لامرأته لست لي امرأة ونوى به الطلاق يقع كأنه قال لأني طلقتك . ولو قال لم أكن تزوجتها ونوى الطلاق لا يقع لأنه كذب محض ا هـ .

يعني إذا لم يقل الشهود جعلتما هذا نكاحا والحق هذا التفصيل .



وفي الفتاوى : بعث أقواما للخطبة فزوجها الأب بحضرتهم قيل : لا يصح وإن قبل عن الزوج إنسان واحد لأنه نكاح بغير شهود لأن القوم كلهم خاطبون من تكلم ومن لا ، لأن المتعارف هكذا أن يتكلم واحد ويسكت الباقون والخاطب لا يصير شاهدا . وقيل يصح وهو الصحيح وعليه الفتوى لأنه لا ضرورة في جعل الكل خاطبا فيجعل المتكلم خاطبا فقط والباقي شهود




الخدمات العلمية