الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وإن زاد لها في المهر بعد العقد لزمته الزيادة ) خلافا لزفر ، وسنذكره في زيادة الثمن والمثمن إن شاء الله تعالى ( و ) إذا صححت الزيادة ( تسقط بالطلاق قبل الدخول ) وعلى قول أبي يوسف أولا تنتصف مع الأصل [ ص: 330 ] لأن التنصيف عندهما يختص بالمفروض في العقد ، وعنده المفروض بعده كالمفروض فيه [ ص: 331 ] على ما مر .

التالي السابق


. ( قوله لزمته الزيادة خلافا لزفر ) والشافعي ; لأنها لو صحت بعد العقد لزم كون الشيء بدل ملكه . قلنا : اللزوم منتف على تقدير الالتحاق بأصل العقد ، وينتقض بالعوض عن الهبة بعد عقدها ، والدليل على الصحة قوله تعالى { ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة } فإنه يتناول ما تراضيا على إلحاقه وإسقاطه . ومن فروع الزيادة ما لو راجع المطلقة الرجعية على ألف فإن قبلت لزمت وإلا فلا ; لأن هذه زيادة وقبولها شرط في اللزوم . ويناسب هذه مسألة التواضع لما فيها من تعدد التسمية لو تواضعا في السر على مهر وعقدا في العلانية بأكثر منه إن اتفقا على أن العلانية هزل فالمهر مهر السر ، وإن اختلفا فادعى الزوج المواضعة وأنكرت فالقول لها ، هذا إن اتحد الجنس ، فإن اختلف فإنه ينعقد بمهر المثل .

ولو عقدا في السر بألف وأظهرا ألفين فكذلك إن اتفقا على المواضعة فالمهر ما في السر ، أو اختلفا فالقول للمرأة في دعوى الجد فيلزمه مهر [ ص: 330 ] العلانية ، إلا أن يكون أشهد عليها أو على وليها الذي زوجها منه أن مهرها السر وأقام البينة بذلك فيثبت ما ادعاه ولو عقدا في السر بألف ثم عقدا في العلانية بألفين وأشهدا أن العلانية سمعة فالسر ، وإن لم يشهدا قال الصدر الشهيد : عند أبي حنيفة المهر مهر السر ، وعند محمد مهر العلانية .

وذكر القاضي الإمام أبو يوسف مكان محمد ، وجعل محمدا مع أبي حنيفة قال : لو تزوج امرأة بألف ثم جدد النكاح بألفي درهم اختلفوا فيه ; ذكر خواهر زاده أن على قول أبي حنيفة ومحمد لا تلزم الألف الثانية ، وعلى قول أبي يوسف تلزمه الألف الثانية ، وذكر في المحيط قول أبي يوسف مع أبي حنيفة . وفي شرح الطحاوي : لو تزوجها على ألف ثم ألفين لا يثبت الثاني خلافا لأبي يوسف ، وعلل عدم الثبوت بأنهما قصدا إثبات الزيادة في ضمن العقد ولم يثبت العقد فكذا الزيادة ، فاتفقت هذه النقول على أن قول أبي حنيفة عدم الثاني ، وعلى عكس هذا حكى الخلاف في الكافي للشيخ حافظ الدين قال : تزوجها على مهر في السر بشهادة شاهدين على ألف ثم تزوجها في العلانية بألفين فمهرها ألفا درهم ، ويكون هذا زيادة في المهر عند أبي حنيفة ومحمد .

وعند أبي يوسف المهر هو الأول ، وهذا هو ظاهر المنصوص في الأصل ، وعليه مشى شمس الأئمة أن عند أبي حنيفة : المهر مهر العلانية . قال في المبسوط : إذا توافقا في السر بألف وأشهدا أنهما يجددان العقد بألفين سمعة فالمهر هو الأول ; لأن العقد الثاني بعد الأول لغو ، وبالإشهاد علمنا أنهما قصدا الهزل بما سمياه فيه ، وإن لم يشهدا على ذلك فالذي أشار إليه في الكتاب المهر مهر العلانية ، ويكون هذا منه زيادة لها في المهر ، قالوا : هذا عند أبي حنيفة ، فأما عند أبي يوسف ومحمد المهر هو الأول ; لأن العقد الثاني لغو ، فما ذكر فيه أيضا من الزيادة يلغو .

وعند أبي حنيفة : العقد الثاني إن كان لغوا فما ذكر فيه من الزيادة يكون معتبرا بمنزلة من قال لعبده وهو أكبر منه سنا هذا ابني لما لغا صريح كلامه عندهما لم يعتق العبد ، وعنده وإن لغا صريح كلامه في حكم النسب يبقى معتبرا في حق العتق ا هـ كلام شمس الأئمة .

وبآخره يخرج الجواب عن المذكور في شرح الطحاوي من تعليل عدم اعتبار الثاني . قوله أشار في الكتاب إلى أن المهر مهر العلانية هو والله أعلم بإطلاق اعتبار العلانية في الأصل ، فإن عبارته فيه : إذا تزوجها على مهر في السر وسمع في العلانية بأكثر منه يؤخذ بالعلانية فالتسميع في العلانية يشمل ما إذا أشهدا على أن العلانية هزل غير مقصود ، وإذا لم يشهدا على ذلك وما إذا كان التسميع ليس في ضمن عقد بل مجرد إظهاره على ما هو عكس أول صور المواضعة ، ونبهنا عليه أو في ضمنه فما أخرجه الدليل خرج ويبقى الباقي ، ولا اختلاف في اعتبار الأول إذا أشهدا على هزلية الثاني أو اعترافا به مطلقا فيبقى ما لم يشهدا فيه ولم يعترفا به مما هو في ضمن عقد ثان مرادا قطعا ، وظاهر هذا أنه لا خلاف فيه بينهم ، ولهذا والله سبحانه أعلم ذكر عصام أن عليه ألفين ولم يذكر خلافا ، وإن ذكر في المحيط عنه أنه ذكر في كتاب الإقرار أنه لا تثبت الزيادة ، فإذا حكى المشايخ الخلاف يجب كون المذكور قول أبي حنيفة ألبتة ; لأنه [ ص: 331 ] وضع الأصل لإفادة قوله وكأن القاضي الإمام قاضي خان إنما أفتى بأنه لا يجب بالعقد الثاني شيء إلا إذا عنى به الزيادة في المهر لما علم أن علة اعتبار العلانية فيما إذا جددا ولم يشهدا كونه زيادة ، لكن الأوجه الإطلاق ، فإن ذلك يقتضي أن يسأل الزوجان عن مرادهما قبل الحكم ، وقد ينكر الزوج القصد وينفتح باب الخصومة من غير حاجة إلى ذلك لأنه إذا كان الثابت شرعا جواز الزيادة في المهر والكلام الثاني يعطيه صادرا من مميز عاقل وجب الحكم بمقتضاه ، بل يجب أنه لو ادعى الهزل به لا يقبل ما لم تقم بينة على اتفاقهما على ذلك .

نعم ويخال أيضا أنه يجب الألفان مع الألف السر فتجتمع عليه ثلاثة آلاف ; لأن الأول قد ثبت وجوبه ثبوتا لا مرد له ، والمفروض له كون الثاني زيادة فيجب بكماله مع الأول . ومن ثم ذكر في الدراية عن شرحالإسبيجابي : جدد على ألف آخر تثبت التسميتان عند أبي حنيفة ، وعندهما لا تثبت الثانية ، وكذا لو راجع المطلقة بألف . وفي النوازل عن الفقيه أبي الليث : إذا جدد يجب كلا المهرين . ووجه من نقل لزوم الثاني فقط اعتبار إرادة الأول في ضمن الكلام الثاني ; لأن الظاهر كون المقصود تغيير الأول إلى الثاني . والذي يظهر من الجمع بين كلام القاضي والإطلاق المتضافر عليه كون المراد بكلام الجمهور لزومه إذا لم يشهدا من حيث الحكم ، ومراد القاضي لزومه عند الله في نفس الأمر ، ولا شك إنما يلزم عند الله تعالى إذا قصدا الزيادة ، فأما إذا لم يقصدا حتى كانا هازلين في نفس الأمر فلا يلزم عند الله شيء حتى لا يطالب به في القيامة ، ويلزم ذلك في حكم القاضي ; لأنه يؤاخذه بظاهر لفظه إلا أن يشهدا على خلافه .

وما قيل من أنه لا يجب المهر الثاني إلا إذا كانت قالت لا أرضى بالمهر الأول أو أبرأته ، ثم قالت : لا أقيم معك بدون مهر . فأما إذا لم يكن هذا البساط فلا يجب ، الثاني قريب من قول القاضي وحاصله اعتبار قرينة إرادة الزيادة واختلافهم فيما إذا كان التجديد بعد هبتها المهر الأول أنه هل يكون وجوب الثاني على الخلاف أو أن الاتفاق على عدم وجوبه غير بعيد ، إذ قد يخال كون الزيادة تستدعي قيام المزيد عليه ، وبالهبة انتقى قيامه فلا يتحقق كون الثاني زيادة وهو المحقق لوجوبه . وقد يقال : إنما يستدعي دخوله في الوجود لا بقاءه إلى وقت الزيادة فصلح منشأ للخلاف في ثبوته على الخلاف أو عدم ثبوته بالاتفاق . وفي الفتاوى : امرأة وهبت مهرها من زوجها ثم إن زوجها أشهد أن لها عليه كذا من مهرها تكلموا فيه ، والمختار عند الفقيه أبي الليث أن إقراره جائز إذا قبلت . ووجهه في التجنيس بوجوب تصحيح التصرف ما أمكن وقد أمكن بأن يجعل كأنه زادها في المهر ، وإنما شرطنا القبول ; لأن الزيادة في المهر لا تصح إلا بقبول المرأة ا هـ . والخلاف المشار إليه بقوله والمختار فرع الخلاف الذي قبله ; لأنه في صورة هبتها المهر . والقيد وهو قبول المرأة صحيح لا يخالف المنقول عن أبي حنيفة ، وذلك ; لأن المنقول هو ما إذا جددا وعقدا ثانيا بأكثر مما يفيد اجتماعهما على الأمر الثاني ، وذلك يفيد قبولها الثاني بلا شبهة ، بخلاف هذه الصورة فإن المذكور فيها أن الزوج أقر أو أشهد ونحوه وهو لا يستلزم ذلك




الخدمات العلمية