الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ومن أمره أمير بأن يزوجه امرأة فزوجه أمة لغيره جاز عند أبي حنيفة ) رجوعا إلى إطلاق اللفظ وعدم التهمة ( وقالا : لا يجوز إلا أن يزوجه كفئا ) ; لأن المطلق يتصرف إلى المتعارف [ ص: 314 ] وهو التزوج بالأكفاء . قلنا العرف مشترك أو هو عرف عملي فلا يصلح مقيدا . وذكر في الوكالة أن اعتبار الكفاءة في هذا استحسان عندهما ; لأن كل أحد لا يعجز عن التزوج بمطلق الزوج فكانت الاستعانة في التزوج بالكفء ، والله أعلم .

التالي السابق


. ( قوله ومن أمره أمير أن يزوجه امرأة فزوجه أمة غيره جاز عند أبي حنيفة رجوعا إلى إطلاق اللفظ وعدم التهمة ، وقالا : لا يجوز إلا أن يزوجه كفئا ) [ ص: 314 ] والتقييد بالأمير مطلقا وإن كان أمير المؤمنين ليعلم ذلك فيمن دونه بطريق أولى . فحاصل المسألة إذا أمره غيره بتزويجه فزوجه امرأة لا تكافئه ولا تهمة ، ولو زوجه أمة لغيره أو عمياء أو مقطوعة اليدين أو رتقاء أو مفلوجة أو مجنونة جاز عنده خلافا لهما ، ولو زوجه صغيرة لا يجامع مثلها جاز اتفاقا ، وقيل هو قوله خلافا لهما . ولو زوج وكيل المرأة غير كفء ، قيل هو على الخلاف ، وقيل الصحيح أنه لا يجوز اتفاقا . والفرق لأبي حنيفة رحمه الله أن المرأة تعير بغير الكفء فيتقيد إطلاقها به ، بخلاف الرجل فإنه لا يعيره أحد بعدم كفاءتها له ; لأنه مستفرش واطئ لا يغيظه دناءة الفراش ، أما لو كانت أمة للوكيل فلا يجوز للتهمة ، ولهذا لو وكل امرأة فزوجته نفسها أو وكلت رجلا فزوجها من نفسه لا يجوز ، وكذا إذا زوج وكيل الرجل بنته ولده أو بنت أخيه وهو وليها لا يجوز للتهمة . ولهما أن المطلق يتقيد بالعرف وهو التزويج بالأكفاء ( قلنا العرف مشترك ) أي الواقع من أهل العرف تزويجهم بالمكافئات وغير المكافئات فليس مختصا بتزويج المكافئات لينصرف الإطلاق إليه ( أو هو عرف عملي فلا يصلح مقيدا ) للفظ إذ اللفظ المقيد عبارة عن لفظ ضم إليه لفظ يقيده ، ولا يخفى ما في هذا الوجه . وقولهم في الأصول الحقيقة تترك بدلالة العادة ينفيه ، إذ ليست العادة إلا عرفا عمليا ، فالأولى الأول . قال الإسبيجابي : قولهما أحسن للفتوى واختاره الفقيه أبو الليث ، وقد يكون في سكوت الشيخ عقيب قوله ( وذكر في الوكالة أن اعتبار الكفاءة في هذا استحسان عندهما ; لأن كل أحد لا يعجز عن التزوج بمطلق الزوجة فكانت الاستعانة في التزوج بالمكافئة ) [ ص: 315 ] إشارة إلى اختياره قولهما ; لأن الاستحسان مقدم على غيره إلا في المسائل المعلومة .

والحق أن قول أبي حنيفة ليس قياسا ; لأنه أخذ بنفس اللفظ المنصوص فكان النظر في أي الاستحسانين أولى . وفي وجه الاستحسان المذكور دفع لقول من قال من المشايخ إن هذه المسألة دلت على أن الكفاءة معتبرة عندهما في النساء للرجال ; إذا ظهر أن قولهما ليس بناء عليه بل على أن الظاهر أن الاستعانة لا تقصد إلا لتحصيل المناسب لا فيما صدق عليه مطلق الاسم ; لأن كل أحد يقدر على ذلك . هذا والوكيل بتزويج امرأة بعينها يملكه بالغبن اليسير إجماعا ، والفاحش عنده خلافا لهما . والفرق له بينه وبين الشراء حيث لا يجوز شراء الوكيل بالغبن الفاحش اتفاقا أن التهمة في حق الوكيل بالنكاح منتفية بسبب عدم استغنائه عن إضافة العقد إلى موكله فيجوز منه بالغبن الكثير ، بخلاف الشراء فإنه يستغنى فيه عنه فتمكنت تهمة أنه اشترى لنفسه فوجده خاسرا فجعله لموكله ، ومعنى لا يجوز هنا لا ينفذ النكاح إلا أن يجيزه ، وكذا إن سمى للوكيل ألفا مثلا فزوجه بأكثر ، فإن دخل بها ولم يكن يعلم قبله ثم علم فهو على خياره ; لأن هذا الدخول ليس رضا ; لأنه على اعتبار أن الوكيل لم يخالف إذ لم يعلم بخلافه .

بخلاف ما لو علم فدخل بها . فإن فارقها فلها الأقل من المسمى ومهر المثل ، فإن كان الوكيل أو الرسول ضمن المهر وأخبرهم أنه أمره بذلك ثم رد الزوج النكاح للزيادة في المهر لزم الوكيل أو الرسول نصف المهر ، وليس له أن يلزمه النكاح ويغرم هو الزيادة ; لأنه لما لم يمتثل صار فضوليا ، ولو كانت هي الموكلة وسمت ألفا مثلا فزوجها الوكيل ثم قال الزوج ولو بعد الدخول تزوجتك بدينار وصدقه الوكيل إن أقر الزوج أن المرأة لم توكله بدينار فهي بالخيار ، إن شاءت أجازت النكاح بدينار وإن شاءت ردته ، ولها مهر مثلها بالغا ما بلغ ، ولا نفقة عدة لها ; لأنها لما ردت تبين أن الدخول حصل في نكاح موقوف فيوجب مهر المثل دون نفقة العدة ، وإن كذبها الزوج فالقول قولها مع يمينها .

فإن ردت فباقي الجواب بحاله . قال المصنف رحمه الله في التجنيس : يجب أن يحتاط في مثل هذا الأمر ; لأنه ربما يقع مثل هذا وقد حصل لها منه أولاد ثم تنكر المرأة قدر ما زوجها به الوكيل ويكون القول قولها فترد النكاح ، وكذا هذا في سائر الأولياء إذا كانت المرأة بالغة ، وهذا ما ذكر في الرسول من مسائل أصل المبسوط قال : إذا أرسل إلى المرأة رسولا حرا أو عبدا صغيرا أو كبيرا فهو سواء إذا بلغ الرسالة فقال إن فلانا يسألك أن تزوجيه نفسك فأشهدت أنها زوجته نفسها وسمع الشهود كلامها وكلام الرسول فإن ذلك جائز إذا أقر الزوج بالرسالة أو قامت عليه بينة ، فإن لم يكن أحدهما فلا نكاح بينهما ; لأن الرسالة لما لم تثبت كان الآخر فضوليا ولم يرض الزوج بصنعه ، ولا يخفى أن مثل هذا بعينه في الوكيل .

ثم ذكر في الرسول فروعا كلها تجري في الوكيل لا بأس بذكرها لفوائدها . قال : فإن كان الرسول زوجها وضمن لها المهر وقال قد أمرني بذلك فالنكاح لازم للزوج إن أقر بذلك أو ببينة ، والضمان لازم للرسول إن كان من أهل الضمان ، فإن جحد ولا بينة بالأمر فلا نكاح وللمرأة على الرسول نصف المهر ; لأنه مقر بأنه أمره بذلك وأن النكاح جائز وأن الضمان قد لزمه ، وإقراره على نفسه صحيح قال : وذكر في كتاب الوكالة قال محمد رحمه الله : على الوكيل المهر كله ; لأن جحود الزوج ليس بفرقة ، وهذا يبين لك أن لا فرق في هذه الأحكام بين الرسول والوكيل ، ثم قال في المبسوط : فقيل إن ما ذكر هنا قول أبي حنيفة وأبي يوسف الأول ، وهناك قول محمد وأبي يوسف الآخر بناء على أن قضاء القاضي ينفذ ظاهرا وباطنا عنده ، فنفذ بالفرقة قبل الدخول [ ص: 316 ] وسقط نصف المهر ، وعلى قول محمد رحمه الله : لا ينفذ باطنا فيبقى جميع المهر على الزوج فيجب على الكفيل لإقراره به ، وقيل بل فيه روايتان : وجه تلك الرواية أن الزوج منكر لأصل النكاح ، وإنكاره للنكاح ليس طلاقا فلا يسقط به شيء بزعم الكفيل ووجه .

هذه أنه أنكر وجوبه عليه وهو يملك إسقاط نصفه عن نفسه بسبب يكسبه فيجعل مسقطا فيما يمكنه .

قال : فإن كان الرسول قال لم يأمرني ولكني أزوجه وأضمن عنه المهر ففعل ثم أجاز الزوج ذلك جاز ولزم الزوج الضمان ; لأن الإجازة كالإذن في الابتداء ، وإن لم يجز لم يكن على الرسول شيء ; لأن أصل السبب قد انتفى برده ، وبراءة الأصيل توجب براءة الكفيل ، والله أعلم .




الخدمات العلمية