الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وطلاق الحامل يجوز عقيب الجماع ) ; لأنه لا يؤدي إلى اشتباه وجه العدة ، وزمان الحبل زمان الرغبة في الوطء لكونه غير معلق أو يرغب فيها لمكان ولده منها فلا تقل الرغبة بالجماع ( ويطلقها للسنة ثلاثا يفصل بين كل تطليقتين بشهر عند أبي حنيفة وأبي يوسف . وقال محمد ) وزفر ( لا يطلقها للسنة إلا واحدة ) [ ص: 479 ] لأن الأصل في الطلاق الحظر ، وقد ورد الشرع بالتفريق على فصول العدة ، والشهر في حق الحامل ليس من فصولها فصار كالممتد طهرها . ولهما أن الإباحة بعلة الحاجة والشهر دليلها كما في حق الآيسة والصغيرة ، وهذا ; لأنه زمان تجدد الرغبة على ما عليه الجبلة السليمة فصلح علما ودليلا ، بخلاف الممتد طهرها ; لأن العلم في حقها إنما [ ص: 480 ] هو الطهر وهو مرجو فيها في كل زمان ولا يرجى مع الحبل .

التالي السابق


( قوله وطلاق الحامل يجوز عقيب الجماع ; لأنه لا يؤدي إلى اشتباه وجه العدة ) إن اعتبر حاظرا ; ولأنه زمان الرغبة في الوطء لكونه غير معلق ; لأنه اتفق أنها قد حبلت أحبه أو سخطه فبقي آمنا من غيره فيرغب فيه لذلك ، أو لمكان ولده منها ; لأنه يتقوى به الولد فيقصد به نفعه فظهر أنه لا حاجة إلى قوله فيها بل الرغبة في الوطء لكل من الأمرين ( قوله ويطلقها ثلاثا للسنة يفصل بين كل تطليقتين بشهر عند أبي حنيفة رحمه الله وأبي يوسف رحمه الله . وقال محمد وزفر رحمهما الله : لا يطلقها للسنة إلا واحدة ) [ ص: 479 ]

وقال بلغنا ذلك عن ابن مسعود وجابر بن عبد الله والحسن البصري ( ولأن الأصل في الطلاق الحظر ، وقد ورد الشرع بإحلال الثلاث مفرقا على فصول العدة في ذوات الحيض ) وورد بإقامة الأشهر مقام الحيض في الصغيرة أو الآيسة فصح الإلحاق في تفريقها على الأشهر ( والشهر في حق الحامل ليس من فصول عدتها فصارت الحامل كالممتد طهرها ) وفيها لا يفرق الطلاق على الأشهر فكذا الحامل ، وقول محمد رحمه الله قول الأئمة الثلاثة ( ولهما أن الإباحة بعلة الحاجة ) وقدمنا أنها لا تنتفي مطلقا بالطلقة الواحدة فشرع لدفعها على وجه لا يعقب الندم والتفريق على أوقات الرغبة وهي الأطهار التي تلي الحيض ليكون كل طلاق دليل قيامها ولا دخل لكونها من فصول العدة لو كانت فصولا فكيف وفصولها ليس إلا الحيض ; لأنها العدة لا الأطهار عندنا ، فكونها فصلا من فصول العدة ليس جزء المؤثر بل المؤثر دليل الحاجة وشرط دلالته كونه في زمان تجدد الرغبة ، والتجدد بعد الفتور لا يكون عادة إلا بعد زمان ، وحين رأينا الشرع فرقها على الأطهار وجعل الإيقاع أول كل طهر جائزا علمنا أنه حكم بتجدد الرغبة عند تحقق قدر ما قبله من الزمان إلى مثله من أول طهر يليه وذلك في الغالب شهر ، فأدرنا الإباحة على الشهر ، وعلى هذا فالتفريق على الأشهر في الآيسة والصغيرة ليس ، لكونها فصولا لإقامتها مقام العدة بل لما ذكرنا فالإثبات فيهما أيضا بالقياس لا بالنص ودلالته ، بخلاف ما قاس عليه من ممتدة الطهر ; لأنها محل النص على تعلق [ ص: 480 ] جواز الإيقاع بالطهر الحاصل عقيب الحيض وهو مرجو في حقها كل لحظة ولا يرجى في الحامل ذلك .

وعلى هذا التقرير سقط ما رجح به شارح قول محمد رحمه الله من أنه تعالى أوجب التفريق على فصول العدة بقوله سبحانه وتعالى { فطلقوهن لعدتهن } لما بيناه من إلغاء كونه فصلا من فصول العدة بالنسبة إلى الحكم ، على أنا نمنع دلالة الآية على التفريق أصلا بل على استقبال العدة بالطلاق ، والعدة مجموع الأقراء ، وإنما يفيد تفريقه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر رضي الله عنه المتقدم { إن من السنة أن تستقبل الطهر فتطلقها لكل قرء } وأريد بالقرء الطهر ، وقد جاء عن ابن مسعود وابن عباس وابن عمر رضوان الله عليهم في تفسير الآية أن يطلقها طاهرة من غير جماع ، وهذا ; لأن لزوم التفريق طريقه أن مفهوم طلقوهن : أوجدوا طلاقهن لعدتهن ، فيستلزم عمومين : عموم طلاقهن ; لأنه جنس مضاف ، وكذا عدتهن ، فقد أحل جميع طلاقهن وهو ثلاث بجميع عدتهن ، وجميعه بفم واحد حرام ، فكان المراد تفريقه على الأطهار أو ما يقوم مقام ما يستلزمها ، وهذا غير لازم ; لأن الفعل إنما يدل على المصدر النكرة ، فالمعنى : أوجدوا طلاقا عليهن لعدتهن : أي لاستقبالها . وأيضا فلفظ فصول العدة غير مذكور في النصوص إنما سماها بذلك الفقهاء ، ولا يعقل من معناه سوى أنه جزء من أجزائها له نسبة خاصة إليها اتفق أنه ثلثها اتفاقا ، وكل شهر من شهور الحامل جزء من أجزاء عدتها كذلك وإن لم يتفق أن نسبته بالثلث ، وعلى هذا يقوى بحث شمس الأئمة أن الشهر من فصول عدة الحامل غير أنا لا نعلق به إباحة الإيقاع من حيث هو فصل وجزء بل من حيث هو زمان يتجدد فيه الرغبة عند مسبوقيته بذلك القدر من الزمان .




الخدمات العلمية