الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وإذا ارتدا معا ثم أسلما معا فهما على نكاحهما ) استحسانا . وقال زفر : يبطل ; لأن ردة أحدهما منافية ، وفي ردتهما ردة أحدهما . [ ص: 431 ] ولنا ما روي أن بني حنيفة ارتدوا ثم أسلموا ، ولم يأمرهم الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين بتجديد الأنكحة ، والارتداد منهم واقع معا لجهالة التاريخ . ولو أسلم أحدهما بعد الارتداد معا فسد النكاح بينهما لإصرار الآخر على الردة ; لأنه مناف كابتدائها . .

التالي السابق


. ( قوله وإذا ارتدا معا ثم أسلما معا فهما على نكاحهما استحسانا ) [ ص: 431 ] هذا إذا لم يلحق أحدهما بدار الحرب بعد ارتدادهما ، فإن لحق فسد للتباين .

والقياس وهو قول زفر والأئمة الثلاثة تقع الفرقة ; لأن في ردتهما ردة أحدهما وهي منافية للنكاح ( ولنا ) وهو وجه الاستحسان ( أن بني حنيفة ارتدوا ثم أسلموا ولم يأمرهم الصحابة بتجديد الأنكحة ) ولما لم يأمروهم بذلك علمنا أنهم اعتبروا ردتهم وقعت معا ، إذ لو حملت على التعاقب لفسدت أنكحتهم ولزمهم التجديد . وعلمنا من هذا أن الردة إذا كانت معا لا توجب الفرقة . واعلم أن المراد عدم تعاقب كل زوجين من بني حنيفة أما جميعهم فلا ; لأن الرجال جاز أن يتعاقبوا ولا تفسد أنكحتهم إذا كان كل رجل ارتد مع زوجته ، فحكم الصحابة بعدم التجديد لحكمهم بذلك ظاهرا لا حملا عليه للجهل بالحال كالغرقى والحرقى . وهذا ; لأن الظاهر أن قيم البيت إذا أراد أمرا تكون قرينته فيه قرينته .

هذا والمذكور في الحكم بارتداد بني حنيفة في المبسوط منعهما الزكاة ، وهذا يتوقف على نقل أن منعهم كان لجحد افتراضها ولم ينقل ولا هو لازم . وقتال أبي بكر رضي الله عنه إياهم لا يستلزمه لجواز قتالهم إذا أجمعوا على منعهم حقا شرعيا وعطلوه ، والله أعلم . وقد يستدل للاستحسان بالمعنى وهو عدم جهة المنافاة ، وذلك ; لأن جهة المنافاة بردة أحدهما عدم انتظام المصالح بينهما ، والموافقة على الارتداد ظاهر في انتظامها بينهما إلى أن يموتا بقتل أو غيره . والأوجه الاستدلال بوقوع ردة العرب وقتالهم على ذلك فإنه من غير تعيين بني حنيفة ومانعي الزكاة قطعي ثم لم يؤمروا بتجديد الأنكحة إلى آخر ما ذكرنا ( قوله ولو أسلم أحدهما بعد ارتدادهما معا فسخ النكاح ) ; لأن ردة الآخر منافية النكاح فصار بقاؤها كإنشائها الآن حال إسلام الآخر حتى إن كان الذي عاد إلى الإسلام هو الزوج فلا شيء لها إن كان قبل الدخول ، وإن كانت هي التي أسلمت ، فإن كان قبل الدخول فلها نصف المهر ، وإن دخل بها فلها كل المهر في الوجهين ; لأن المهر يتقرر بالدخول دينا في ذمة الزوج والديون لا تسقط بالردة .



[ فروع ]

الأول نصرانية تحت مسلم تمجسا وقعت الفرقة بينهما عند أبي يوسف خلافا لمحمد . وجه قوله أن الزوج قد ارتد والمجوسية لا تحل للمسلم فإحداثها ما تحرم به كالردة فقد ارتدا معا فلا تقع الفرقة . ولأبي يوسف أن الزوج لا يقر على ذلك بل يجبر على الإسلام والمرأة تقر فصار كردة الزوج وحده ، وهذا ; لما عرف أن الكفر [ ص: 432 ] كله ملة واحدة فالانتقال من كفر إلى كفر لا يجعل كإنشائه فصار كما لو تهودا فإن الفرقة تقع فيه بالاتفاق . ومحمد يفرق بأن إنشاء المجوسية لا تحل للمسلم فإحداثها كالارتداد . بخلاف اليهودية ، ألا ترى أنها لو تمجست وحدها تقع الفرقة ، ولو تهودت لا تقع فافترقا . الثاني يجوز نكاح أهل ملل الكفر بعضهم بعضا فيتزوج اليهودي مجوسية ونصرانية ; لأن الكل ملة واحدة من حيث الكفر وإن اختلفت نحلهم كأهل المذاهب ، ثم الولد على دين الكتابي منهم .

الثالث إذا أسلم الكافر وتحته أكثر من أربع أو أختان أو أم وبنتها وأسلمن معه وهن كتابيات ; فعند أبي حنيفة وأبي يوسف إن كان تزوجهن في عقدة واحدة فرق بينه وبينهن أو في عقد فنكاح من يحل سبقه جائز ونكاح من تأخر فوقع به الجمع أو الزيادة على الأربع باطل .




الخدمات العلمية