الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( فإن تزوجها على هذين العبدين فإذا أحدهما حر فليس لها إلا الباقي إذا ساوى عشرة دراهم عند أبي حنيفة ) [ ص: 362 ] لأنه مسمى ، ووجوب المسمى وإن قل يمنع وجوب مهر المثل ( وقال أبو يوسف : لها العبد وقيمة الحر عبدا ) ; لأنه أطمعها سلامة العبدين وعجز عن تسليم أحدهما فتجب قيمته ( وقال محمد ) وهو رواية عن أبي حنيفة ( لها العبد الباقي وتمام مهر مثلها إن كان مهر مثلها أكثر من قيمة العبد ) ; لأنهما لو كانا حرين يجب تمام مهر المثل عنده [ ص: 363 ] فإذا كان أحدهما عبدا يجب العبد وتمام مهر المثل .

التالي السابق


( قوله فإن تزوجها على هذين العبدين فإذا أحدهما حر فليس لها عند أبي حنيفة إلا الباقي إذا ساوى عشرة ) فإن لم يساو عشرة كملت العشرة [ ص: 362 ] لأنه مسمى ، ووجوب المسمى ) المستحق بأصل العقد ( وإن قل يمنع وجوب مهر المثل . وقال أبو يوسف : لها العبد وقيمة الحر ) لو كان ( عبدا ) ; لأنها ما رضيت إلا بهما وتعذر تسليم أحدهما فتجب القيمة . وقال محمد : لها الباقي وتمام مهر مثلها إن لم يبلغ الباقي مهر المثل ، وهو رواية عن أبي حنيفة .

فعلى هذا لو بلغ الباقي مهر المثل لا يزاد عليه فيتحد بقول أبو حنيفة ; لأنهما لو كانا حرين يجب مهر المثل فإذا كان أحدهما حرا ولم يبلغ الباقي مهر المثل تمم مهر المثل دفعا للضرر عنها . فهنا مقامان لهما : مقام اختلفا فيه وهو تعيين الواجب مع الباقي ومقام اتفقا فيه وهو عدم الاقتصار على الباقي ولهما فيه الإلحاق بالمسألة السابقة : أعني ما إذا تزوجها على ألف وأن لا يخرجها من البلد ولم يف حيث يكمل مهر المثل ; لأنها لم ترض بذلك القدر فقط ، وقد امتنع الباقي فلم يجب الاقتصار عليه .

والجواب الفرق بأن الفائت في السابقة لم يستحق بأصل العقد مدفوع بأن لا أثر لاستحقاق مستحق خاص بأصل العقد في دفع استحقاق غيره ، ولزوم مهر المثل فيها ليس إلا لعدم رضاها بذلك القدر تسمية إذ لم ترض إلا بالكل ، غير أن الفائت هناك لما لم يتقوم صير إلى مهر المثل ، وهنا يتقوم بمعنى يقوم هذا الحر عبدا فتجب قيمته ، وعلى هذا يترجح قول أبي يوسف من حيث الوجه .

وقد يجاب بأن جبر الفائت هناك لعدم رضاها وعدم تقصيرها في تعيين ما ترضى به ، أما هنا فهي المقصرة في الفحص عن حال المسميين فإنه مما يعلم بالفحص بخلاف السابقة ; لأن عدم الإخراج وطلاق الضرة إنما يعلم بعد ذلك فكانت هنا ملتزمة للضرر معنى . هذا وقد خرجت هذه المسألة على ما يليها من الأصل الذي ذكرناه ; فعند أبي حنيفة تسمية العبد عند الإشارة إلى الحر لغو ، وإذا لغا تسمية أحد العبدين صار كأنه تزوجها على عبد فليس لها غيره . وعند أبي يوسف تسمية العبد معتبرة مع الإشارة إلى الحر ، فاعتبر تسمية العبدين لكنه عجز عن تسليم أحدهما فوجبت قيمته . ومحمد يقول : الأمر كما قال أبو حنيفة إن تسمية العبد عند الإشارة إلى الحر لغو ، لكنها لم ترض في تمليك بضعها بعبد واحد فيجب النظر إلى مهر المثل لدفع [ ص: 363 ] الضرر ، ولا جواب إلا بما قلنا من التزامها لذلك حيث قصرت إن تم ، وإلا فالأوجه قول أبي يوسف ، وكونها مقصرة بذلك ممنوع إذ العادة مانعة من التردد في أن المسمى حر أو عبد .

وقريب من هذا ما لو تزوجها على هذه الثياب العشرة فإذا هي تسعة ليس لها غير التسعة ، وحكم محمد بها كما قال أبو حنيفة إن ساوت مهر مثلها أو زادت وإلا كمل لها مهر مثلها ، وفي فتاوى الخاصي : من علامة العين تزوجها على هذه الأثواب العشرة فإذا هي أحد عشر ، فإن كان مهر مثلها أحد عشر وزيادة فلها أحد عشر عند أبي حنيفة وبه يفتى ; لأن المهر إحدى العشرتين أجودهما أو أردأهما فصار كما إذا تزوج على أحد هذين العبدين ، أما إذا وجدت تسعة فلها التسعة لا غير عنده وبه يفتى ، فرق بين هذا وبين ما إذا تزوجها على هذه الأثواب العشرة الهروية فإذا هي تسعة حيث كان لها التسعة وثوب آخر في قولهم جميعا ; لأن في الأولى المنطوق به الثوب المطلق ، والثوب المطلق لا يجب مهرا ألا ترى أنه لو تزوجها على ثوب مطلق يجب مهر المثل ، وفي الثانية المنطوق به ثوب هروي وهذا يجب مهرا .

وشرح العبارة الأولى أن التزوج إنما وقع على عشرة ، وحين وجدت أحد عشر فلا بد أن تشتمل غالبا على عشرة هي أجود الأحد عشر وعشرة هي أردأ الأحد عشر فصارت التسمية عشرة من أحد عشر إما أردؤها أو أجودها ، وبه تفسد التسمية عند أبي حنيفة فيحكم مهر المثل ، فإذا كان أحد عشر أو أكثر فلها الأحد عشر لرضاها بالنقصان ، وإن كان بين العشرة التي هي الأردأ والعشرة التي هي الأجود تعين ، أعني مهر المثل ، كما لو كان بين أوكس العبدين وأجودهما ، وإن كان أقل من أردإ العشرتين أو مثلها تعين العشرة الرديئة كما لو كان أقل من أوكس العبدين أو مثله ، هذا قياس قوله .

وأما قياس قولهما فصحت التسمية وتعين أردؤهما مطلقا كما عينا أوكس العبدين كذلك . وشرح عبارة التسعة أنه إذا ظهرت العشرة تسعة ولم يصفها بالهروية فكأنه تزوجها على هذه التسعة وثوب آخر وهو مطلق فيلغو وتجب التسعة فقط ، بخلاف ما إذا وصفها بالهروية ; لأن المعنى أنه تزوجها على هذه التسعة وثوب هروي فلا تبطل تسميته ، غير أن مقتضى الأصل أن يتخير فيه بين عينه وقيمته ، والله أعلم .




الخدمات العلمية