الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإذا حلب لبن المرأة بعد موتها فأوجر الصبي تعلق به التحريم ) خلافا للشافعي ، هو يقول : الأصل في ثبوت الحرمة إنما هو المرأة ثم تتعدى إلى غيرها بواسطتها ، وبالموت لم تبق محلا لها ، ولهذا لا يوجب وطؤها حرمة المصاهرة . ولنا أن السبب هو شبهة الجزئية وذلك في اللبن لمعنى الإنشاز والإنبات وهو قائم باللبن ، وهذه الحرمة تظهر في حق الميتة دفنا [ ص: 455 ] وتيمما . أما الحرمة في الوطء لكونه ملاقيا لمحل الحرث وقد زال بالموت فافترقا . .

التالي السابق


( قوله وإذا حلب لبن امرأة بعد موتها فأوجر به صبي تعلق به التحريم ) وبه قال مالك وأحمد ( خلافا للشافعي ، هو يقول الأصل في ثبوت الحرمة إنما هو المرأة ثم تتعدى الحرمة إلى غيرها بواسطتها وبالموت لم تبق محلا لها ، ولهذا ) أي لعدم المحلية ( لا يوجب وطؤها حرمة المصاهرة . ولنا أن السبب الجزئية ) وحاصله إلغاء الفارق بين الإجماعية وهي ما إذا كانت حية ، والخلافية وهي ما إذا كانت ميتة وهو موتها ; لأن حياتها ليس جزء السبب لتنتفي الحرمة بانتفائه بل حصول الجزئية تمام الحكمة لقوله صلى الله عليه وسلم { لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم } إلخ ، وهو حاصل بلبن الميتة والارتضاع تمام العلة ، وموتها غير مانع ; لأن مانعيته إن أضيفت إلى انتفاء محليتها مطلقا للحكم [ ص: 455 ] منعناه لثبوت بعضها ، كما لو تزوج رجل بهذه الصبية في الحال حل له دفن الميتة ويممها ; لأنها محرمة أم زوجته ، وأيضا بالنسبة إلى غيرها ، حتى لا يجوز له الجمع بين الرضيعة وبنت الميتة ; لأنهما أختان ، أو بالنسبة إلى حرمة نكاحها فقط منعنا تأثيره في إفادة المانعية بل يفسدها انتفاء الحكم مطلقا ، فإن بين المانعية بأن الحكم وهو حرمة النكاح يثبت أولا فيها ثم يتعدى .

قلنا إن أردت أنه لا يتعدى إلى غيرها إلا بعد ثبوته فيها منعناه ، بل ذلك عند اتفاق محليتها حينئذ مع أن الحرمة إنما تثبت في الكل معا شرعا ، والتقدم في الأم ذاتي لا زماني ، فإذا تحقق المانع في حقها ثبت فيمن سواها ، ولو علل ابتداء بنجاسة اللبن أو الحرمة كرامة إذ فيه تكثير الأعوان على المقاصد والسكن وبالموت تنجس ، فإن أراد عينا منعناه ، بل لبن الميتة الطاهرة طاهر عند أبي حنيفة ، وقد أسلفنا توجيهه بأن التنجس بالموت لما حلته الحياة قبله وهو منتف في اللبن وقد كان طاهرا فيبقى كذلك لعدم المنجس إذ لم يطرأ عليه سوى الخروج من باطن إلى ظاهر ، والمتيقن من الشرع فيه أنه لا يوجب تغير وصفه ، بخلاف البول ، وأبو يوسف ومحمد إنما قالا : تنجسه بالمجاورة للوعاء النجس وهو غير مانع من الحرمة ، كما لو حلب في إناء نجس وأوجر به الصبي تثبت الحرمة ، وإن أراد التنجس منعناه لما ذكرناه .

والوجور : الدواء يصب في الحلق قسرا بفتح الواو . والسعوط صبه في الأنف . ويقال أوجرته ووجرته ( قوله أما الحرمة في الوطء ) جواب عن قياسه على عدم حرمة المصاهرة بوطئها بالفرق وهو أن سبب الحرمة في الرضاع الإنبات والنشوء بواسطة التغذي وفي حرمة المصاهرة الجزئية الحاصلة بواسطة الولد ، ولا يتصور الولد بعد الموت فلم تتصور الجزئية ، بخلاف الجزئية المعتبرة في الرضاع ; لأنها واقعة في ارتضاع لبن الميتة .




الخدمات العلمية