الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 244 ] قال ( ومن وطئ جاريته ثم زوجها جاز النكاح ) لأنها ليست بفراش لمولاها فإنها لو جاءت بولد لا يثبت نسبه من غير دعوة إلا أن عليه أن يستبرئها صيانة لمائه ، وإذا جاز النكاح ( فللزوج أن يطأها قبل الاستبراء ) عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله . وقال محمد رحمه الله : لا أحب له أن يطأها حتى يستبرئها لأنه احتمل الشغل بماء المولى فوجب التنزه [ ص: 245 ] كما في الشراء . ولهما أن الحكم بجواز النكاح أمارة الفراغ فلا يؤمر بالاستبراء لا استحبابا ولا وجوبا . [ ص: 246 ] بخلاف الشراء لأنه يجوز مع الشغل .

التالي السابق


( قوله ومن وطئ جاريته ثم زوجها جاز النكاح لأنها ليست بفراش لمولاها ) هذا تعليل للجواز بنفي جنس علة المنع من التزويج فضلا عن نفيها بعينها فلذا لا يقتضي أن وجود الفراش مطلقا يمنع وإلا لمنع في أم الولد الحائل لأن علة المنع فراش مخصوص وهو القوي بنفسه أو بالتأكد لا مطلق الفراش ، ثم بين نفي الفراش بنفي حده بقوله لأنها لو جاءت بولد لا يثبت نسبه من غير دعوة ( قوله إلا أن عليه أن يستبرئها ) أي بطريق الاستحباب لا الحتم ، وليس استبراء المولى مذكورا في الجامع الصغير بل في كلام المصنف ، وصرح الولوالجي بالاستحباب ( قوله وإذا جاز ) يعني جاز النكاح بدون استبراء من المولى ، فإن خلاف محمد في استبراء الزوج إنما هو فيه ، [ ص: 245 ] ولذا قال الفقيه أبو الليث رحمه الله في قول محمد : لا أحب له : أي للزوج أن يطأها حتى يستبرئها ، لأنه احتمل الشغل بماء المولى .

هذا الخلاف فيما إذا زوجها المولى قبل أن يستبرئها ، فلو استبرأها قبل أن يتزوجها جاز وطء الزوج بلا استبراء اتفاقا . وقد وفق بعض المشايخ بأن محمدا رحمه الله نفى الاستحباب وهما أثبتا جواز النكاح بدونه فلا معارضة فيجوز اتفاقهما على الاستحباب فلا نزاع ، فإن لفظه في الجامع : محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة في رجل وطئ جاريته ثم زوجها قال : للزوج أن يطأها قبل أن يستبرئها . وقال محمد : أحب له أن لا يطأها حتى يستبرئها ا هـ . وليس فيه استبراء المولى أصلا ، وفيه تصريح محمد بالاستحباب للزوج . قيل قوله تفسير لقول أبي حنيفة ، وقيل بل هو قوله خاصة وهو ظاهر السوق . وصريح قول المصنف لا يؤمر بالاستبراء لا استحبابا ولا وجوبا يخالفه . ثم القياس المذكور لمحمد إنما مقتضاه وجوب الاستبراء فإن أصل قياسه الشراء ، وإنما يتعدى بالقياس حكم الأصل وحكمه وجوب الاستبراء ، فإن كان المصنف أخذه من كلام محمد في بعض تصانيفه فهو يفيد الوجوب لا الاستحباب .

وغاية الأمر أن قوله أحب إلي ظاهر في الاستحباب ، ودليله يوجب أن مراده الوجوب ، فاعتباره أولى لأن الاستدلال بما لا يطابق الدعوى أبعد من إطلاق أحب أن يفعل كذا في واجب ، وكثيرا ما يطلق المتقدمون : أكره كذا في التحريم أو كراهة التحريم وأحب مقابله ، فجاز أن يطلق في مقابله وهو الوجوب . ثم لو أورد على محمد رحمه الله أن التوهم لا يصلح علة للوجوب بل للندب كما في غسل اليدين عقيب النوم لتوهم النجاسة كان له أن يجيب بأن ذلك في غير الفروج ، أما فيها فالمعهود شرعا جعله متعلق الوجوب ، ومنه نفس أصل هذا القياس ، فإن علة وجوب الاستبراء في التحقيق على المشتري ليس إلا توهم الشغل بالماء الحلال . واعتبار استحداث الملك علة إنما هو لضبطه للحكمة التي هي العلة في الحقيقة على ما عرف ، وإن كان الاستدلال من عند المصنف فهو المؤاخذ بعدم المطابقة ( قوله ولهما أن الحكم بجواز النكاح أمارة الفراغ ) أورد عليه أنه ممنوع ، فإن الحكم بجواز النكاح ثابت في الحامل من الزنا ; ومجموع ما ذكر فيه ثلاثة أجوبة : جواب صاحب النهاية بأنه طرد لا نقض ، فإن جواز النكاح ثابت في الصورتين بالمقتضى وهو قوله تعالى { وأحل لكم ما وراء ذلكم } إلا أن الوطء هناك حرم لوجود الشغل حقيقة كي لا يسقي ماءه زرع غيره فلم يدل جواز النكاح هناك على حل الوطء للحمل ، أما هنا لا حمل حقيقة ، فلو كان إنما كان حكما وشرعا فكان جواز النكاح شرعا [ ص: 246 ] أمارة الفراغ دليل فراغ الرحم حكما . وجواب شارح الكنز وغيره بتخصيص الدعوى ، فإن مرادنا أنه أمارة الفراغ عن حمل ثابت النسب .

أو نقول : هو دليل الفراغ في المحتمل لا فيما تحقق وجوده ، وإليه يرجع جواب صاحب النهاية إذا تأملت وهو الأولى : أعني كونه دليل الفراغ في المحتمل ومحل النزاع محتمل ، ومع الحكم بالفراغ لا يثبت توهم الشغل شرعا فلا موجب لاستحباب الاستبراء ، لكن صحته موقوفة على دليل اعتبارها أمارة الفراغ عنه لأن حاصله ادعاء وضع شرعي ، والإجماع إنما عرف على مجرد الصحة ، أما على اعتبارها دليل الفراغ في المحتمل دون المتحقق فلا . واختار الفقيه أبو الليث قول محمد رحمه الله لأنه أحوط . هذا وعند زفر لا يجوز للرجل أن يتزوجها حتى تحيض ثلاث حيض بناء على أصله وهو وجوب العدة للتزوج بعد كل وطء ولو زنا




الخدمات العلمية